أصدرت محكمة في هونغ كونغ حكماً بتصفية «تشاينا إيفرغراند غروب»، شركة التطوير العقاري التي تمثل أحد أعمدة قطاع العقارات في الصين. وبينما ينهي هذا القرار رحلة تحوّلت فيها الشركة من الأكبر من حيث القيمة السوقية إلى الأكثر مديونية في العالم، يؤجج المخاوف من انتشار الأزمة خارج حدود الصين.
تمثل التصفية نهاية للشركة التي أسّسها هو كا يان بعد تخلّفها عن سداد ديون لأكثر من عامين، وتشير أيضاً إلى بداية فصل جديد في انهيار سوق العقارات التي تواصل عرقلة نمو الاقتصاد الصيني.
شرارة الأزمة
«إيفرغراند» التي أسسها «هو» في 1996 اعتمدت على الاقتراض بكثافة لتعزيز نموّها، وأصبحت أكبر شركة مقترضة بالدولار بين نظيراتها، وكانت أكبر مطوّر عقاري في البلاد.
في 2018، أصبحت «إيفرغراند» الشركة العقارية الكبرى في العالم بعد ارتفاع قيمتها السوقية بأكثر من الضعف إلى 16.2 مليار دولار خلال العام السابق، كما حلت في المرتبة الأولى في تصنيف «براند فاينانس» (Brand Finance) لأسرع 25 شركة عقارات نمواً.
إلا أن الشركة واجهت صعوبة في إعادة تمويل ديونها في 2020، مع بدء الحكومة الصينية بتضييق الخناق على الإفراط في الاقتراض بقطاع العقارات. وفي كانون الأول 2021، تخلفت عن سداد سنداتها، وبدأت مفاوضات ممتدة مع الدائنين بغية التوصل إلى اتفاق بخصوص خطة لإعادة الهيكلة.
رفع مستثمر بالشركة دعوى في حزيران 2022 يطلب فيها تصفية الشركة، فيما أجّلت القاضية ليندا تشان إجراءات التقاضي أكثر من مرة لتمنح «إيفرغراند» مهلة للاتفاق على خطة إعادة الهيكلة. إلا أن خطط إعادة هيكلة الديون توقفت في أيلول الماضي، عندما وُضع «هو» تحت مراقبة الشرطة نتيجة الاشتباه في ارتكابه جرائم. وفي نهاية المطاف، نفد صبر تشان في 29 كانون الثاني، وأصدرت حكماً بالتصفية في المحكمة العليا.
تحدي تقسيم الشركة
ستكون المهمة الأولى للمحكمة هي تعيين مُصفٍّ يُرجّح أن يتولّى إدارة الشركة.
أما التحدي الأطول أجلاً، فيتمثل في تقسيم شركة التطوير العقاري، التي تتجاوز التزاماتها المالية البالغة 2.39 تريليون يوان (333 مليار دولار) قيمة أصولها التي تبلغ 1.74 تريليون يوان، يتواجد معظمها في بر الصين الرئيسي.
تأثير الحكم على حملة السندات
لم يتضح بعد ما إذا كانت المحاكم في بر الصين الرئيسي ستعترف بحكم التصفية أم لا. فمعظم مشروعات «إيفرغراند» تديرها وحدات محلية، ما قد يُصعّب على المُصفي الخارجي مهمة وضع اليد عليها. فيما يُتوقع أن تستمرّ أعمال الإنشاء وتسليم المساكن والأنشطة الأخرى في بر الصين الرئيسي مع سير العملية.
يشير تداول سندات «إيفرغراند» إلى تضاؤل الآمال في استرداد قيمتها، فحتى قبل صدور حكم التصفية، جرى تداول معظم سندات الشركة المقومة بالدولار بنحو 1.5 سنت مقابل كل دولار، وفقاً لبيانات «بلومبرغ». كما أن توقعات استخلاص بعض القيمة من وحدتي «إيفرغراند» المُدرجتين في بورصة هونغ كونغ تتّسم بالتشاؤم، في ظل هبوط قيمتهما السوقية بأكثر من 80% منذ رفع الدعوى.
أفسحت القاضية تشان المجال أمام احتمال التوصل إلى اتفاق لإعادة الهيكلة حتى بعد التصفية، لكن حملة السندات يشعرون بخيبة الأمل.
فيرغاس سورين، الشريك بمكتب «كيركلاند آند إيليس» (Kirkland & Ellis LLP) للمحاماة، والمستشار القانوني لمجموعة من الدائنين، قال إن «الشركة أخفقت في الحوار معنا. وفي ظل الظروف الحالية، فالشركة هي المسؤولة عن تصفيتها».
مصير رئيس الشركة
لا تزال هناك تساؤلات كبيرة حول مصير «هو» منذ إخضاعه للتحقيق. فيما قالت القاضية تشان إن التصفية ستساعد على معالجة قضايا، منها سيطرة رئيس مجلس الإدارة على ما تبقّى من إمبراطورية العقارات التي بناها. لكن المؤكد أن «هو» فقد ثروته التي بلغت ذروتها 42 مليار دولار في 2017.
غياب خطة إنقاذ حكومية
فرضت الصين إجراءات صارمة على قطاع العقارات تماشياً مع الشعار الذي رفعه الرئيس شي جين بينغ بأن المنازل للسكن وليست للمضاربة. وظلّ هذا النهج سارياً، رغم بدء السلطات الإنهاء التدريجي لبعض الإجراءات الأكثر صرامة من الإجراءات.
يسعى «شي» لأن يتحقق النمو الاقتصادي من المجالات المستدامة، مثل التصنيع والخدمات، بدلاً من وضع كميات لا حصر لها من الخرسانة والصلب في شقق. وأبدت الحكومة أيضاً اهتماماً ضئيلاً بإنقاذ المستثمرين الأجانب في السندات المرتفعة العائد.
كيف ستتعامل «إيفرغراند»
قال الرئيس التنفيذي شون سيو الإثنين الماضي إن الشركة ستنخرط في التواصل مع المُصفي وتنسق معه بشأن الإجراءات ذات الصلة. كما قال في بيان إن «الشركة بذلت كل الجهود الممكنة، ويؤسفها حكم التصفية. ستتأكد الشركة من تسليم المنازل وتعزيز التشغيل الطبيعي للمجموعة بشكل مطرد».
ولم يشر البيان إلى ما إذا كانت الشركة تعتزم استئناف الحكم.
وأكد «سيو» أن حكم التصفية يخص كيان «إيفرغراند» المدرج ببورصة هونغ كونغ، فيما ستظل إدارة وعمليات الشركات الأخرى في المجموعة دون تغيير. ستسعى الشركة إلى ضمان استقرار عملياتها المحلية، وتقديم مواعيد تسليم المنازل، بحسب البيان.