أطلقت نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان، إضرابها الذي سيمتدّ من يوم الخميس 8 كانون الأول حتى يوم الأحد 11 منه. اعتراضاً على “عدم قبض رواتبهم وملحقاتها أسوة بالقطاع العام والإدارات والمؤسسات العامة تطبيقاً للتعميم 161 الذي يطبق باستثناء كهرباء لبنان”، وفق ما جاء في بيان الدعوة إلى الإضراب. وحمَّلَت النقابة المصارف وشركات مقدمي الخدمات ومصرف لبنان، مسؤولية تأخير دفع الرواتب كاملة. ووصفت التأخير بـ”الإذلال والتحكّم”.
وذهبت النقابة أبعد من المطالبة بدفع الرواتب، مستهدفة مشروع شركات مقدّمي الخدمات الذي ظهر قبل نحو 10 سنوات، فطالبت بـ”فتح ملفّ هذه الشركات، إلى تاريخه، لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود”. والمقصود بالملفّات، التجاوزات المرتكبة في مشاريع الشركات، إذ تعتبر النقابة أن “شركات مقدمي الخدمات والداعمين لها هم السبب بما آلت إليه الأمور في مؤسسة كهرباء لبنان”.
عدم تسليم الرواتب
فقدت رواتب عمال المؤسسة قدرتها الشرائية مع انهيار سعر صرف الليرة، ومع ذلك، تتأخّر المصارف في الإفراج عن الرواتب والمستحقات، كلياً أو جزئياً. يعود التأخير، بشكل رئيسي، إلى عدم تأمين مقدّمي الخدمات أموالاً كافية لتغطية الرواتب والمستحقات. هذه الأموال المفترض أنها مجمعة من فواتير الجباية ومحوَّلة إلى حساب مؤسسة كهرباء لبنان، لا تصل إلى الحساب دورياً، فيتأخّر تأمين السيولة الكافية.
في الوقت عينه، تحمّل النقابة جزءاً من المسؤولية لمصرف لبنان لعدم إفراجه عن أموال المؤسسة التي تحمل بدورها حصّتها من المسؤولية نظراً لعدم ضغطها على مقدّمي الخدمات، ولسيرها في طريق تجديد العقود بصلاحيات موسّعة، تحت غطاء وزارة الطاقة.
على أن التلويح باستمرار الإضراب والتصعيد، أدّى في اليوم الأول للإضراب، إلى “تأمين الرواتب في المصارف بشكل مفاجىء وكافٍ للجميع”، على حد تعبير مصادر في النقابة، والتي أوضحت لـ”المدن”، أن “صرف الرواتب هو الخطوة الأولى، لكن نحن بانتظار الزيادة على الرواتب، انطلاقاً ممّا تضمّنته خطة التعافي”. وحصلت النقابة بعد اجتماعها مع المدير المالي في المؤسسة ومع وزير الطاقة وليد فيّاض، على وعدٍ بالدفع، انطلاقاً من أن زيادة تعرفة الكهرباء يمكنها تمويل زيادة الرواتب. وما حصل عليه العمّال اليوم يؤدي إلى “بحث فكرة تعليق الإضراب”.
ملفّات مقدّمي الخدمات
الاتجاه نحو تعليق الإضراب والاكتفاء بتسهيل دفع الرواتب، يجعل الاعتراض على مشروع مقدّمي الخدمات أمراً أقل أهمية، فيما هو لبّ المشكلة. وتبرّر مصادر النقابة عدم ربط الإضراب بإيجاد حلّ لمشروع مقدّمي الخدمات، بأن “النقابة ليست هي مَن توقِّع العقود مع مقدّمي الخدمات، بل تضغط لعدم التجديد. ومن مسؤوليات مؤسسة الكهرباء الضغط أيضاً لإنهاء المشروع”. وجدّدت النقابة رفضها للمشروع، داعية وزير الطاقة إلى عدم التمديد وعدم توسيع صلاحيات الشركات.
في المقابل، استغربت مصادر من العمّال، موقف النقابة المهادن للشركات، رغم تسجيل الاعتراض على المشروع. والمهادنة تجلَّت بطرح فكرة تعليق الإضراب ربطاً بالإفراج عن الرواتب، واعتبار أن الحلّ والربط في المشروع يقع على عاتق مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. وتؤكّد المصادر في حديث لـ”المدن”، أن شركات مقدّمي الخدمات “هم أساس العلّة، حتى بالنسبة للرواتب، لأنهم يقبضون أموال الجباية ويضعونها في حساباتهم المصرفية الخاصة لآجالٍ غير محدّدة، ويحوّلون مبالغ متقطّعة وغير كافية لمؤسسة كهرباء لبنان. فضلاً عن الشوائب والفضائح المتّصلة بالمشاريع المنجزة من قِبَل الشركات”.
وطالبت المصادر النقابة بفتح الملفّات التي لوَّحَت بها “لأن فتحها أمر أساسي في حلّ أزمة مؤسسة الكهرباء وعمّالها، حتى وإن دُفِعَت الرواتب”. وتستغرب المصادر سبب عدم فتحها حتى الآن، طالما أن المعطيات موجودة، وأهمها الركون إلى تقارير شركة نيدز NEEDS الاستشارية التي أوصت بالتخلّي عن مشروع مقدّمي الخدمات، بعد تأكيد فشله.
منافع وانتخابات
تجيب مصادر العمّال على سبب عدم فتح الملفّات سابقاً والتراجع عن التهديد بفتحها راهناً، بأن فتحها “لا يسرُّ الكثير من الموظفين المحظيين الذين انتفعوا من مقدّمي الخدمات طيلة أعوام وسكتوا عن التجاوزات التي تقوم بها الشركات ومؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة”. وبالنسبة للمصادر فإن “عدم تحويل مقدمي الخدمات أموال المؤسسة فوراً، هو أمر مستمر منذ سنوات، ولم تتّجه النقابة إلى إعلان أي اعتصام أو توقّف عن العمل لانتزاع حقوق المؤسسة وتطبيق بنود العقد معها، فلماذا المسارعة إلى تصعيد المواقف الآن؟ هل لأن النار وصلت إلى الرواتب؟ ألم يكن مسار مشروع مقدمي الخدمات وتدمير مؤسسة الكهرباء واضحاً منذ البداية ويحتاج التدخّل لتفادي الوصول إلى ما وصلنا إليه؟”.
تستمر المصادر في طرح التساؤلات ذات الإجابات المعروفة. وتؤكّد أنه “لو لم تفقد الرواتب قدرتها الشرائية، لما تحرّكت النقابة”. ومع ذلك، تطالب المصادر النقابة بالذهاب نحو فتح الملفّات، “لأن التجاوزات لا يمكن السكوت عنها، حتى لو دُفِعَت الرواتب والتقديمات. إلاّ إن كان هناك أغراض أخرى للتصعيد”.
والبحث عن “الأغراض الأخرى” يُفضي إلى انتخابات مجلس النقابة، التي من المفترض أن تجري في شهر كانون الثاني المقبل. وعليه فإن “عملية الإضراب الحالية بذريعة الرواتب، ليست سوى إطلاق مبكر للحملات الانتخابية بحجّة تأمين مصالح الموظّفين”. وتستند المصادر إلى هذه الذريعة وترفض مقولة الدفاع عن حقوق العمّال بالرواتب والمكتسبات أو ذريعة الدفاع عن مصلحة المؤسسة لأن “النقابة الحالية تقاعست كثيراً أمام مقدّمي الخدمات الذين ساهموا في تدمير المؤسسة”.