حطَّ وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، الرِحال في القصر الجمهوري مبشّراً: لقد تبلغَ المصريون إستثناءً أميركياً حول الغاز! يُصبح من المفترض أن يعني ذلك أمراً واحداً: الإمدادات ستبدأ بالتوافد إلى لبنان تدريجياً، والكلّ بات لديه علم وخبر ، رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ونزولاً إلى آخر السلسلة، ما خلا جهة واحدة، المصريون!
عملياً، دخل الحديث في التداول بدءاً من صباح الأمس على لسان رئيس الحكومة العائد لتوّه من القاهرة. أعلن ميقاتي عبر حديث صحفي أن “المصريين نالوا استثناءً أميركياً يتيح لهم مدّ لبنان بالغاز”، وهذا إنما يعني شيئاً واحداً، أن المصريين أبلغوا رئيس حكومة لبنان بنجاحهم في الحصول على الإستثناء وما هي سوى فترة قصيرة ويبدأ الضخّ.
عملياً، يمتلك الجانب المصري إستثناءً أميركياً منذ مدة طويلة يُتيح له نقل الغاز إلى سوريا تمهيداً لنقل هذه الأخيرة، الكميات المرصودة إلى لبنان. الخلل الذي يعتري البدء في العملية، يكمن في اشتراط الجانب المصري تضمين الإستثناء الخطي المبدئي الحاصل عليه و الصادر عن البيت الأبيض، قراراً تشريعاً يُصدره الكونغرس ويتضمن إعفاءً بالإسم للشركة المصرية القابضة من أية عقوبات محتملة ضمن مندرجات قانون “قيصر”، وهي القضية التي سارت ببطء شديدة نتيجة البيروقراطية الأميركية. فهل إن الجانب المصري نال التفويض المطلوب من الكونغرس؟ ثمة إشارات لا توحي بذلك بعد.
في الواقع، التعاطي الرسمي اللبناني أتى منذ اللحظة الأولى على شكل مقايضة أو ترابط في الملفات، بدليل تعمّد وزير الخارجية الجمع ما بين “الإستثناء المصري” و “قرب عودة الوسيط الأميركي في شأن الترسيم”، رغم أن الملفين يفترض أنهما منفصلان عن بعضهما. غير أن الواقع يشي بعكس ذلك، فقد سبق أن سرت معلومات في بيروت حول ممارسة الجانب الأميركي ضغوطاً في هذا الصدد، كانت تربط ما بين مستقبل وصول الغاز المصري إلى لبنان، ورؤية هذا البلد حيال موقفه من ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، مما أدى لاحقاً إلى تنازلات تولّى الجانب الرسمي اللبناني تقديمها بشكل منفرد ومجاني ومستقل، على شكل التراجع عن الخط 29 الذي يمنح لبنان ما يفوق 1400 كلم مربع إلى الخط 23.
جانبٌ آخر لا يمكن تجاوزه أو تجاهل الحديث حوله. فوزير الخارجية الذي زار قصر بعبدا، ما زال يتجنّب الخوض في قضية المراسلة الإسرائيلية إلى الأمم المتحدة الواردة بتاريخ 23 الماضي والمتضمّنة شكوى بحقّ لبنان والتي أعادت إعتبار المنطقة الواقعة ما بين الخطين 1 و 23 “منطقة ذات سيادة إسرائيلية”. على هذا النحو، هل وضع وزير الخارجية، رئيس الجمهورية بصورة ما يحدث وهل أخذ التوجيهات منه؟ لماذا يتأخر الوزير في توجيه رسالة مماثلة تعيد ضمان حق لبنان، وما هي الخطوة المقبلة التي سيقدم عليها؟ لماذا وإلى حينه لم يطلب الوزير إجتماعاً بسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لشرح وجهة نظر لبنان، ولماذا يتجنّب الظهور في مؤتمر صحافي للحديث حول الإعتداء الإسرائيلي الجديد على حقٍّ سيادي لبناني، وهل يستحق انتظار “هوكشتين” ومبادرته كل هذه التنازلات؟