ملأت الشركات المتخصصة بمجال الطاقة، قاعة فندق لوريال – ضبية، عارضة انجازاتها وخدماتها، احتفاءً بـ”أسبوع بيروت للطاقة” الذي أطلق فعالياته وزير الطاقة وليد فيّاض، اليوم الأربعاء، وفي باله نقل لبنان “من الطاقة العادية إلى بلد يعتمد بشكل وازن على الطاقة المتجددة عبر الطاقة الشمسية والهايدرو باور، إذ ستمثّل الطاقتان ما نسبته 20 إلى 30 بالمئة من الطاقة المعتمدة في لبنان”. على أن آمال الوزير لم تقف عند هذا الحد، بل “في السنوات المقبلة، سترتفع هذه النسبة، خصوصاً وأن لبنان رسى على الخريطة النفطية”.
انطلاقاً مما قاله الوزير في افتتاح فعاليات أسبوع بيروت للطاقة، يمكن للبنان تحسين نسبة اعتماده على الطاقة، خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات وتحكُّم أصحاب المولّدات الخاصة بقطاع توليد الطاقة بعد عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين ساعات تغذية كافية، دفع اللبنانيين إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية توفيراً للمال. لكن خيارات الأفراد تختلف عن خيارات الدولة، وكذلك إمكانياتهم واحتياجاتهم وواجباتهم. فهل تستطيع الدولة تأمين احتياجاتها واحتياجات مواطنيها من الكهرباء، بالاعتماد على الطاقة البديلة؟ أم أن الآمال والأماني لن تغادر قاعات المؤتمرات؟
عودة إلى ورقة سياسة القطاع
تتّجه الكثير من دول العالم نحو زيادة معدّل اعتمادها على الطاقة المتجددة/البديلة. وفي دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ارتفع معدّل الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 57 بالمئة، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2022 إلى منتصف العام 2023. وبحسب تقرير مرصد الطاقة العالمي، فإن اعتماد تلك الدول على الطاقة البديلة سيزداد خلال العام 2024.
محلياً، لم يتخلّف لبنان عن وضع الأطر النظرية لدخول عالم الطاقة البديلة. فورقة سياسة القطاع التي وضعت في العام 2010، جعلت من المشاريع التي تعتمد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه، مدخلاً لإصلاح قطاع الطاقة، ولإنتاج الكهرباء بكمية أكبر وتخفيف الاعتماد على النفط.
إلا أن النظري لم يقترن بالواقعي، فبقي مدخل إصلاح قطاع الطاقة مسدوداً، فالمشاريع الموضوعة نظرياً، تقدّمَ بعضها خطة إلى الأمام، خصوصاً في ملف طاقة الرياح، لكن تراجعَ خطواتٍ إلى الوراء بسبب عدم التجانس بين الرغبة في التطوير وبين التطبيق على الأرض، فأتت المشاريع التي اعتمدتها وزارة الطاقة منذ العام 2010، معتمدة تماماً على النفط، ولم تسعى لتطوير المشاريع المعتمدة على الطاقة الشمسية أو الرياح، وكذلك لم يتم تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، رغم أهمية وجودها كونها الجهة المفترض بها تحديد معايير عمل القطاع، بما فيها تلزيمات المشاريع المتعلّقة بالطاقة. علماً أن قانون تنظيم قطاع الكهرباء، نص على تشكيل الهيئة الناظمة، منذ العام 2002.
ومن هنا، فإن تأكيد فيّاض على أن “الطاقة الشمسية تؤمن لنا استقلالية كبيرة في إنتاج الطاقة وبناء الاقتصاد”، يجب أن يُسبَق بتطبيق الوزارة لقانون تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع لتكون هي الجهة التي تدير رحلة الانتقال إلى الطاقة البديلة وفق المعايير الصحيحة.
القطاع الخاص مستفيد
مع ذلك، أن تأتي متأخّراً خير من ألاّ تأتي أبداً. فمع عدم الالتزام ببنود خطة ورقة سياسة القطاع، على علاّتها، تعمل وزارة الطاقة على جذب شركات القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة. وفي السياق، رأى وزير السياحة وليد نصّار، أن القطاع الخاص مقبل على المشاريع في لبنان، ويملك خبرة ومعرفة، لكن “يبقى المطلوب هو تنفيذ الحلول عن طريق التكنولوجيا الجديدة الموجودة في هذا البلد الصغير حيث انتاج وتوزيع الطاقة أمر سهل وبديهي إلى حد كبير”.
وتأتي مشاركة نحو 800 شركة في أسبوع بيروت للطاقة، كنوع من الاستكمال النظري للخطوة العملية التي خطتها وزارة الطاقة في أيار الماضي، إذ وقّعت عقوداً لشراء الطاقة مع 11 شركة خاصة. لكن في الوقت عينه، هناك ثغرة لم تسدّها وزارة الطاقة ولا الحكومة اللبنانية، ولكن يستفيد منها بعض شركات القطاع الخاص، وهي تغاضي الجانب اللبناني عن أن الشركات التي تم التعاقد معها “لا تملك التمويل الكافي” للمباشرة بتنفيذ المشاريع. أي أنها تعاقدت على عمل لا تعرف إن كانت ستنفّذه أم لا، ضمن المهل المتفق عليها. وبالتالي، فإن الدولة تشجّع الاعتماد علىا لطاقة البديلة، لكنها تترك الثغرات لصالح الشركات الخاصة، وعلى حساب الانتقال الضروري من الاعتماد على الوسائل التقليدية لانتاج الطاقة إلى الوسائل الحديثة. وفي هذا تناقضات كبيرة بين ما يقال وما يُنَفَّذ. في حين أن القطاع الخاص لا مشكلة لديه في التعاقد مع الدولة على مشاريع يملك وقتاً مفتوحاً لإنجازها، وإن لم يستطع، فلا حرج عليه ولا غرامات تأخير.
معضلة التطبيق المشوَّه للعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في مجال الطاقة البديلة، وإن كان يصبّ في مصلحة بعض الشركات، إلا أنه ينفر البعض الآخر. فبهذه الطريقة، لا تنجذب الشركات ذات السمعة الدولية لمشاريع لا تستند إلى أرضية قانونية وتنفيذية صلبة. كما أن أحوال البلاد السياسية والاقتصادية والنقدية، ترفع مخاطر الاستثمار، سيّما وأن ما تريده الدولة هو استثمارات مالية كاملة من القطاع الخاص، وليس المساهمة وفق مبدأ الشراكة، بما فيه الشراكة المالية. وفي ذلك، مغامرة غير محسوبة بالنسبة للقطاع الخاص.
إن كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا تزال بحاجة إلى مضاعفة اعتمادها على الطاقة البديلة 20 مرّة، فعلى لبنان أن يغيِّر أسلوب إدارته لملف الطاقة. فالأسلوب الحالي أدّى إلى عتمة شاملة لا تخفيها شعارات الاعتماد على الطاقة المتجددة للإيحاء بأن مرحلة مختلفة ستسود، رغم ترهّل بنية قطاع الطاقة.