ترفع جائحة كورونا من فجوة الدخول ومعاناة المجتمعات غير البيضاء في أميركا الذين يتألف معظمهم من ذوي الأصول الأفريقية، إذ تزيد الجائحة وتداعياتها أو ما بات يطلق عليه ” اقتصاد كورونا”، من معدلات البطالة والوفيات، وتساهم في تنامي انعدام الأمان الوظيفي والسكني في معظم الاقتصادات الكبرى، خاصة لدى الطبقات الفقيرة.
في هذا الشأن، تشير دراسة صدرت عن وكالة الإحصاء الأميركية في يوليو/ تموز الماضي إلى تداعيات “اقتصاد كورونا السلبية” على المجتمعات السوداء تضاعف من معاناة المواطنين السود والأقليات في الولايات المتحدة. وتشمل معاناة السود الذين تعرضوا لفترات طويلة من ” العنصرية المالية” والإهمال في أميركا، عدم الأمان الصحي والوظيفي والسكني في آن معاً.
وحسب الدراسة فإن حوالى 22% من الأفارقة الأميركيين لم يتمكنوا من تسديد الإيجارات أو دفع أقساط قروضهم العقارية خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي مقابل 9% من البيض.
وتعد قضية السكن من القضايا الكبرى التي تقض مضاجع الأسر السوداء في أميركا، إذ إن معظم هذه الأسر لا تملك مساكنها الخاصة، مثلما هو الحال بالنسبة للأسر البيضاء، بسبب تفرقة البنوك والمؤسسات المالية ضدهم في منح “قروض الإسكان”، كما أن تاريخ العبودية حرمهم من إرث الأراضي والمساكن المتوفر لدى رصفائهم البيض.
وفي ذات الاتجاه، كشفت دراسة صادرة عن معهد السياسة الاقتصادية في واشنطن، حول تداعيات “اقتصاد كورونا” على المواطنين في أميركا، إلى أن المواطنين السود أكثر تضرراً من البيض.
وقسمت الدراسة التي أصدرتها كل من رئيسة المعهد الدكتورة فاليري ويلسون وزميلتها بالمعهد الدكتورة أليس غولد، الوظائف في “اقتصاد كورونا بأميركا”، إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى تتكون من الذين فقدوا وظائفهم أثناء تفشي الجائحة ويواجهون “عدم الأمان الاقتصادي”، والمجموعة الثانية تتكون من العمال الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في قطاعات الصحة والنظافة والمستشفيات الذين ويواجهون “عدم الأمان الصحي”، أما المجموعة الثالثة فتتكون من العمال الذين يواصلون أداء وظائفهم من المنازل.
وتشير الدراسة إلى أن السود يشكلون غالبية العمال في المجموعتين الأولى والثانية. وهو ما يعني أن كورونا رفعت من معدلات عدم الأمان الوظيفي والصحي وسط المجتمعات السوداء التي تعاني أصلاً من نقص الرعاية الصحية حتى قبل تفشي جائحة كورونا. كما لاحظ معمل ” آي بي أم” للأبحاث الطبية في أميركا، أن عدد الوفيات بسبب جائحة كورونا بين السود يعادل 2.4 ضعف عدد الوفيات وسط البيض. وبلغ عدد الوفيات بين السود 22 الفاً وهو ما يعادل 25% من إجمالي الوفيات في أميركا حتى شهر مايو/أيار الماضي، بينما لا يمثل السود سوى نسبة 13% من إجمالي عدد السكان في الولايات المتحدة.
وبينما تواصل جائحة كورونا الضغط على الوظائف في أميركا وتشدد المصارف من إجراءات إقراض الأعمال التجارية والقروض الشخصية تتزايد الضغوط على الشركات الأميركية لمساعدة المجتمعات السوداء والتي تلك التي تنحدر من أصول إسبانية، لتبني تغييرات جوهرية في إجراءات وقوانين ” العدالة العرقية”.
وبدأت الشركات الأميركية تستشعر أهمية ” العدالة الوظيفية” في نمو أعمالها. وقالت شركة “وود ماكينزي” في مسح بهذا الصدد، إن حوالى 35% من الشركات الأميركية تشعر أن التنوع الوظيفي سيزيد من أرباحها وأعمالها التجارية. كما أن هنالك 22 شركة أميركية كبرى تدعم حالياً منظمة ” بلاك لايفز ماتر” التي تحارب العنصرية في أميركا، ولديها فروع في معظم دول العالم. وهذا العدد من الشركات الداعم للمنظمة حتى نهاية الأسبوع الأول من شهر أغسطس/ آب الجاري. من بين هذه الشركات المصارف الكبرى في أميركا وشركات التقنية التي تبرعت بسخاء لأهداف محاربة العنصرية.
وتحظى منظمة “بلاك لايفز ماتر” التي جمعت قرابة مليار دولار من التبرعات في الشهر الأول بعد وفاة جورج فلويد بدعم مالي مباشر من الطلاب في أنحاء العالم، إذ أنها تحصل على تبرعات من طلاب الجامعات تراوح بين 5 إلى 10 دولارات في أميركا، كما تحصل على مبالغ مماثلة من الطلاب في بريطانيا وأوروبا. وبالتالي فإن المنظمة باتت قوة حقيقية من ناحية القوة البشرية المتمثلة في داعميها وقدرتها على تنظيم الاحتجاجات، ومن ناحية القوة المالية التي تمكنها من توظيف شركات المحاماة الكبرى ومقاضاة المؤسسات التي تمارس السلوكيات العنصرية.
على صعيد محاربة العنصرية وعدم المساواة داخل المصارف والشركات الأميركية الكبرى، قال تقرير صدر يوم يوم الأحد الماضي بمجلة ” أميركان بانكر”، أن المصارف الأميركية الكبرى بدأت في اتخاذ خطوات عملية في محاربة العنصرية داخل مؤسساتها عبر التوظيف ورصد مبالغ مالية لمساعدة المجتمعات السوداء.
وحسب التقرير فقد أعلن مصرف ” يو أس بانكورب” في مدينة مينيابولس بولاية مينيسوتا عن تعيين الموظف الأسود، غريغ كايننغهام، في الضابط المسؤول عن إدارة الشركات ومراقبة التنوع، كما عين اتحاد المصارف الأميركية ثلاث شخصيات من السود بمجلس الإدارة لمراقبة التنوع في التوظيف داخل إدارات المصارف الأميركية.
ومنذ مقتل المواطن الأسود جورج فلويد في 25 مايو/ آيار الماضي خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض وما تلا ذلك من احتجاجات ضد العنصرية، أعلن نحو 12 مصرفاً دعمهم المباشر لحملة تغيير الواقع العنصري عبر دعم التنوع الوظيفي داخل المؤسسات الأميركية، إذ رصد مصرفا “بانك أوف أميركا” ومصرف “بانكورب ـ بي أن سي” مبلغ مليار دولار لمكافحة العنصرية ودعم المؤسسات التي تحاربها، كما فتح مصرف “غولدمان ساكس” حواراً داخل إداراته للوقوف على التجاوزات والسلوكيات المنافية للعدالة الوظيفية.
وتواجه الشركات الأميركية مجموعة من الضغوط التي تجعلها تتبني محاربة العنصرية رغم ما ترفعه من الشعارات الأخلاقية. من بين هذه العوامل، التداعيات السالبة للعنصرية، وتفاوت الدخول والاستعلاء العرقي على استقرار أعمالها التجارية، إذ ترفع العنصرية من معدل الجريمة في الولايات المتحدة.
وحسب الأرقام، فقد باتت الجريمة تكلف الأعمال التجارية خسائر باهظة تراوح بين توقف أعمالها وتدمير بعض منشآتها، وبالتالي ترفع العنصرية وما يصاحبها من احتجاجات شعبية من كلفة التأمين على الممتلكات لهذه الشركات.
أما العامل الثاني الذي يدفع الشركات الأميركية إلى ضخ أموال لمحاربة العنصرية، فهو مخاوفها من مقاطعة السود والملونين في أميركا لمشترياتها في حال أنها لم تتجاوب مع قضية العنصرية والتمييز العرقي الذي يتعرضون له في مجالات التوظيف والدخول والحصول على السكن. وهذه القضايا باتت ملحّة في الولايات المتحدة وستدخل الانتخابات الرئاسية كعامل أساسي في مكونات الحملات الانتخابية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وباتت الشركات تحسب ألف حساب للقوة الشرائية غير البيضاء، إذ يبلغ عدد السكان غير البيض في أميركا نحو 50 مليوناً، وتقدَّر قوتهم الشرائية بنحو تريليون دولار سنوياً، حسب تقرير نيلسون الأخير الذي يصدر في العاصمة الأميركية واشنطن، ولكن هنالك تقديرات تضع القوة الشرائية السوداء وحدها بنحو 1.2 تريليون دولار. وتقدر نسبة السود في أميركا بنحو 13% من إجمالي عدد السكان في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أنهم يشكلون كتلة استهلاكية ضخمة يمكن أن تؤثر في أعمال أية شركة كبرى.
ويلاحظ أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قال أمس الثلاثاء، إنه يدرس خفض ضريبة الأرباح الرأسمالية بالولايات المتحدة وكذا تقليص ضرائب الدخل للأسر ذات الدخل المتوسط لمساعدة الاقتصاد الأميركي على التعافي من التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا. وهي خطوة تشير إلى أنه شبه يائس من كسب ود المجتمعات السوداء في أميركا الذين ربما سيدلون بأصواتهم بقوة لمصلحة المرشح الديمقراطي جو بايدن. وبالتالي سعى ترامب إلى التعويض بالطبقة الوسطى التي تتشكل معظمها من البيض.