الآفاق الاقتصادية المتقلبة تقيّد مصانع العالم

تنتشر مظاهر خمول نشاط التصنيع في مناطق رئيسية من العالم جراء ضعف إقبال المستهلكين على السلع مع استمرار ضغوط التضخم، التي تجعل القطاعات في حيرة بين المحافظة على أعمالها والتماهي مع الوضع القائم حتى لا تتكبد خسائر أكبر.

وبينما كان المحللون ينتظرون دفعة قوية مع عودة عجلة ثاني أكبر اقتصاد في العالم للدوران بعد ثلاث سنوات من قيود الإغلاق أملا في تحريك سلاسل التوريد وإنعاش الأسواق التجارية، تبدو الرياح المعاكسة أشد حدة مما كان يُتوقع.

وأظهرت مسوح لشهر مايو أن تباطؤ الطلب العالمي زاد من تراجع نشاط التصنيع في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، ومازال يمثل تحديا كبيرا للكثير من كبار المصدرين في آسيا.

وتحركت مؤشرات مديري المشتريات لمنطقة اليورو (بي.آي.أم) إلى ما دون نقطة التعادل رغم خفض المصانع الأسعار لأول مرة منذ سبتمبر 2020. وفي بريطانيا انخفض الإنتاج للشهر الثالث تواليا وتراجعت الطلبات الجديدة بأسرع وتيرة في أربعة شهور.

ولم يكن الأمر أفضل في الولايات المتحدة، فقد تقلص التصنيع للشهر السابع تواليا مع استمرار الطلبات الجديدة في الانخفاض وسط ارتفاع الفائدة، لكن المصانع عززت التوظيف إلى أعلى مستوى في تسعة أشهر.

وأظهر مؤشر بي.آي.أم في الصين واليابان ميل نشاط المصانع نحو النمو الشهر الماضي، على عكس كوريا الجنوبية وفيتنام وتايوان.

وتساهم الصناعة وهي أحد المجالات المهمة إلى جانب الزراعة والخدمات، بما يتراوح بين 27 و30 في المئة في الناتج المحلي العالمي الذي بلغ بنهاية العام الماضي نحو 101.6 تريليون دولار.

ووفقا لمسح ستاندرد آند بورز غلوبال انخفض مؤشر بنك هامبورغ التجاري لمديري مشتريات قطاع الصناعات التحويلية بمنطقة اليورو الشهر الماضي إلى 44.8 نقطة من 45.8 نقطة في أبريل.

لكنه ارتفع عن القراءة الأولية عند 44.6 نقطة، وإن كان أقل من الرقم 50 الفاصل بين النمو والانكماش للشهر الحادي عشر تواليا.

وانخفض المؤشر، الذي يغذي مؤشر المجمع بي.آي.أم الذي من المقرر أن يظهر الاثنين المقبل، ويُنظر إليه على أنه دليل جيد لصحة الاقتصاد، إلى أدنى مستوى في ستة أشهر عند 46.4 نقطة نزولا من 48.5 نقطة.

ويؤكد سايروس دي لاروبيا كبير الاقتصاديين ببنك هامبورغ أن ضعف الطلب الصناعي الذي انعكس في تراجع قراءات بي.آي.أم منذ بداية العام، حدا الآن بالشركات إلى خفض إنتاجها للشهر الثاني تواليا.

ونسبت رويترز إلى دي لاروبيا قوله “يشير الانخفاض في الطلبات الجديدة داخليا وخارجيا إلى أن ضعف الإنتاج سيستمر لأشهر على الأرجح”.

واستند التراجع على نطاق واسع على تقلص النشاط في أكبر أربعة اقتصادات في منطقة اليورو وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

وفشلت المصانع في وقف انخفاض الطلب رغم خفضها للأسعار مع انخفاض كلفة الإنتاج بأسرع وتيرة منذ فبراير 2016.

ومن المرجح أن يلقى الانخفاض في الأسعار ترحيبا من البنك المركزي الأوروبي الذي فشل حتى الآن في إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف رغم المضي قدما في أقوى حملة لتشديد السياسة النقدية في تاريخه.

وأظهرت بيانات أن التضخم بلغ الشهر الماضي 6.1 في المئة أي أكثر من ثلاثة أمثال المستوى الذي يستهدفه المركزي الأوروبي.

وتشابهت القصة إلى حد بعيد في الولايات المتحدة، حيث انخفض المؤشر الشهري لمعهد إدارة التوريد إلى 46.9 نقطة الشهر الماضي نزولا من 47.1 نقطة في أبريل.

ويوضح تسجيل المؤشر في سبعة أشهر أقل من 50 نقطة تقلص النشاط لأطول مدة منذ الركود الكبير. وتدعم القراءات الضعيفة المستمرة للمؤشر توقعات المحللين بأن الاقتصاد سينزلق إلى الركود هذا العام.

لكن كانت هناك فترات مثل منتصف التسعينات وكذلك منتصف الثمانينات وأواخرها حين ظلت قراءات المؤشر أقل من نقطة التعادل لمدة طويلة دون أن يصاحب ذلك ركود.

وأشارت البيانات المتباينة لمؤشرات بي.آي.أم الآسيوية إلى تعاف غير متسق لفترة ما بعد الوباء، وخاصة في الصين، مما يلقي بظلاله على توقعات النمو في المنطقة.

وقال جوليان إيفانز – بريتشارد المحلل في كابيتال إيكونوميكس إن “التعافي الاقتصادي للصين ظل قائما في مايو، وإن كان بوتيرة أبطأ. وقد أثر تراجع الدعم المالي على نشاط الإنشاءات”.

وأضاف “لكن ناتج التصنيع ارتفع ومازالت الخدمات تشهد مكاسب جيدة ما يؤكد أن النمو بالربع الثاني من 2023 قد لا يكون بالسوء الذي يخشاه الكثيرون”.

وارتفع المؤشر التصنيعي في مسح كايسكين/ستاندرد آند بورز غلوبال في الصين إلى 50.9 نقطة في مايو صعودا من 49.5 نقطة في أبريل.

وتجاوزت القراءة التوقعات التي بلغت 49.5 في مسح أجرته رويترز في تناقض مع التقلص الأشد في النشاط، الذي شوهد في مؤشر بي.آي.أم الذي صدر الأربعاء الماضي.

لكن مسح كايسكين أظهر أن ثقة الأعمال في الصين للأشهر الاثني عشر المقبلة تراجعت إلى أدنى مستوى لها في سبعة أشهر وسط مخاوف من التوقعات الاقتصادية العالمية.

وارتفع مؤشر مدير المشتريات النهائي لبنك أو جيبون في اليابان إلى 50.6 نقطة في مايو، وهي القراءة الأولى فوق عتبة 50 نقطة منذ أكتوبر الماضي لأن تأخر إعادة فتح الاقتصاد بسبب قيود الجائحة أدى إلى زيادة الطلب.

ومع ذلك، أظهرت بيانات منفصلة صدرت الأربعاء الماضي أن إنتاج المصانع اليابانية انخفض بشكل غير متوقع في أبريل.

وفي مكان آخر في آسيا، سجل مؤشر بي.آي.أم في كوريا الجنوبية 48.4 نقطة في مايو، مسجلا أطول مسيرة من القراءات التي تشير إلى الانكماش في 14 عاما بعد أن أثر تباطؤ الطلب العالمي على الإنتاج والطلبات.

وأظهرت مسوح أن فيتنام وماليزيا وتايوان شهدت أيضا تقلصا في نشاط المصانع في مايو، بينما توسع نشاط الفلبين كما زاد نشاط مصانع الهند بأسرع وتيرة منذ أكتوبر 2020، في علامة على تلقي الإنتاج دعما من قوة الطلب لثالث أكبر اقتصاد في آسيا.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةتحذيرات من تنامي نشاط السوق السوداء للعملات بالدول النامية
المقالة القادمةجهاد أزعور مرشحاً للرئاسة: المصرفيون حذرون والمودعون يأملون