هل يُفْضي تَشابُكُ «الصدماتِ السلبيةِ» إلى إحداثِ اختراقٍ «اضطراري» في الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان بعدما «أضاء الأحمرُ» لوحةَ المَخاطر التي باتت تترتّب على التمادي في أخْذ الحكومة رهينة «حادثة البساتين» (عاليه – 30 يونيو) وذلك على مختلف المستويات، أم أن العودة من «على حافة الهاوية» باتت دونها حساباتٌ كبرى تدْفع نحو المضيّ في مغامراتٍ توصل لمَخارج «كاسِرة» للتوازنات الداخلية؟
سؤالٌ تردّد صداه بقوّة في بيروت أمس من خلف خطوط تطوريْن بالغيْ السلبية دَهَما المسار الشاقّ الرامي لإخراج البلاد من «الحفرة» التي علقتْ فيها منذ خمسة أسابيع، وهما:
* اتساع رقعة الانقسام السياسي مع تحريك «الجبهة النائمة» بين رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري وارتسامِ مَلامح جولةٍ جديدة من «حرب الصلاحيات» على خلفية محاولة عون فرْض عَقْدِ جلسةٍ لمجلس الوزراء «تفْصل» في «أزمة البساتين» ومآلها القضائي (التصويت على إحالتها على المجلس العدلي)، في مقابل تَمَسُّك الحريري بسلاح التريث في الدعوةِ لأي جلسةٍ قبل ضمان «الأمان السياسي» لانعقادها تجنُّباً لانفجار الحكومة من الداخل.
* «الصُداع المالي» الموجِع الذي زادَه حدّةً ارتفاع تكلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي أول من أمس، وربْط هذا التطورٍ بتأويلاتٍ لكلامٍ كان عون أطلقه في احتفال عيد الجيش (الخميس) وحذّر فيه من أنه «إذا لم نضحّ اليوم جميعاً ونرْضى بالتخلي عن بعض مكتسباتنا فإننا نخاطر بفقدها كلها حين يصبح وطننا على طاولة المؤسسات الدولية المُقْرِضة وما يمكن أن تفرضه علينا من خطط اقتصادية ومالية قاسية»، وسط حبْس أنفاس في بيروت خشية الوقوع في «فخ» خفْض تصنيف لبنان السيادي ولا سيما من وكالة «ستاندرد اند بورز» التي تستعدّ لإطلاق «حكْمها» في 23 أغسطس الجاري.
ورغم أن احتمالات خفْض تصنيف لبنان ترتكز في جانبٍ منها على مؤشراتٍ ماليةٍ، كما على مدى القدرة على الالتزام بالأرقام التخفيضية التي تضمّنتها موازنة 2019 التقشفية، فإنّ الأزمةَ السياسية المستفحلة «تدخل في الحساب» عند تقويم الخارجِ والأسواقِ الدولية للمَخاطر في الوضع اللبناني، في ظلّ إشاراتٍ متزايدة إلى «التحسس المفرط» الذي باتت هذه الأسواق تعيشه حيال الواقع في «بلاد الأرز» التي تَبْرُز مخاوف تصاعُدية من خسائر فادحة يمكن أن تصيبها من «خاصرتها الرخوة» المالية – الاقتصادية بحال لم يتمّ تدارُك انزلاقها نحو مأزق مفتوح.
وفيما كانت بيروت ترصد (الجمعة) المحاولاتِ الحثيثة للحدّ من أضرار ما اعتبره عون «استنتاجاً خاطئاً» ذهبتْ إليه وكالة «رويترز» في قراءة تصريحاته التي فسّرتْها على أنها تَضمّنت «إمكان الاستعانة بصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة إذا لم تثمر جهود الاصلاح (…)»، وهو ما قابَله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس برسالة طمْأنة بتأكيده أن «الكلام عن أن لبنان مهدَّد بالإفلاس غير مبرَّر علمياً وبالأرقام»، باغَتَ «سجال المصادر» بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة المَشْهد الداخلي عاِكساً تعقيدات جديدة أضيفت على المساعي لكسْر المأزق السياسي والإفراج عن جلسات مجلس الوزراء.
وبدأ هذا السجال الذي عاود إحياء «الحرب الباردة الرئاسية» مع تسريب مصادر قريبة من القصر الجمهوري معلومات عن اتصال أجراه الجمعة، عون بالحريري، واضعة إياه في سياق ممارسة رئيس الجمهورية حقّه وفق الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور بدعوة مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وهو ما بدا أن مَفاعيله السياسية تنطوي على تحميلٍ ضمني للحريري مسؤولية عدم الدعوة لجلسة حكومية، ومحاولةٍ «إرغامية» لفرْض جدولِ أعمالٍ يتصدّره طلب النائب طلال أرسلان (حليف التيار الوطني الحر وحزب الله) إحالة «حادثة البساتين» على المجلس العدلي والتصويت عليها، وهو ما لا يريده رئيس الحكومة من خارج توافُق شامل و«مصالحة» بين أرسلان وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعدما توالى سقوط المبادرات الواحدة تلو الأخرى.
وعبّرتْ عن هذه الأبعاد مواقف «المصادر المتقابِلة»، بدءاً من تأكيد مصدر حكومي «أن الحريري يدرك صلاحياته تماماً وهو يتحمّلها على أكمل وجه»، معتبراً «أن الحريري يتطلّع لتحقيق المصالحة وتوفير مقتضيات الأمان السياسي لانعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت»، ليردّ مصدر وزاري قريب من رئيس الجمهورية مستغرباً «ربْط الحريري انعقاد مجلس الوزراء بتحقيق إنجاز ملموس بمصالحة بين جنبلاط وأرسلان (…) فلبنان دولة وليس عشيرة».
وتوّج فريق الحريري الردود أمس بإعلان «مصدر مطلع» أن رئيس الحكومة يعتبر «التعاون بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء مسألة لا يصح التلاعب بها وإخضاعها للمزايدات»، متداركاً «غير أن جنوح بعض المحيطين الذين يتولون النفخ في أذن الرئيس باقتراحات وتفسيرات وفتاوى وخروج بعض وسائل الإعلام من أروقة القصر لتتحدث عن الحق الدستوري لرئيس البلاد بالدعوة لمجلس وزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وعن وقائع مكالمة هاتفية حصلت بين الرئيسين هو بالتأكيد أمر مستغرب ولا يضيف الى الواقع السياسي سوى المزيد من التجاذب (…)»، وموضحاً «ان المكالمة بين الرئيسين تناولت وجوب انعقاد مجلس الوزراء وتهيئة المناخ الملائم لجلسة غير قابلة للتفجير».
وفي هذا الوقت، كان «التقدمي الاشتراكي» يلوّح بـ«كشف المستور» الأسبوع المقبل في سياق ما اعتبره «تدخلاً سافراً» في عمل المحكمة العسكرية (أحيلت عليها حادثة البساتين)، متحدثاً عن «مؤامرة» تحاك لـ«التقدمي» عبر «فبركةٍ» مناقِضة لتحقيقات قوى الأمن الداخلي وإلزام قاضٍ مناوب بالتنحي عن القضية رغم العطلة القضائية واستدعاء قاض من عطلته الصيفية لتسليمه الملف، مذكراً بأن تحقيق شعبة المعلومات أفضى إلى «أن لا كمين ولا محاولة اغتيال للوزير صالح الغريب (من حزب أرسلان) وأن الطرف الآخر باشر بإطلاق النار، ما اضطر محازبي ومناصري التقدمي إلى الردّ دفاعاً عن النفس (سقط 2 من مرافقي الغريب)».