في حين تخوض الأرجنتين معركة مصيرية شرسة لمنع عملتها الضعيفة والتي تتعرض لضغوط حادة من الانهيار، فإن الانشغال بهذا المسار وفقاً لبعض التحليلات قد يعني انهيار البنك المركزي للبلاد. وفقاً لشركة الاستشارات الأرجنتينية “إكونوميا آند استراتجيا”، أنفقت البلاد بالفعل جميع احتياطياتها السائلة، ما زاد من المخاطر في الوقت الذي تكافح فيه الدولة الجفاف التاريخي والركود الوشيك.
دون الكاش الذي يسهل إنفاقه، تنشأ مخاوف وتدور الأسئلة حول المدة التي يمكن أن تستمر خلالها الحكومة في الدفاع عن البيزو من الانهيار الكلي. وهناك خطر يتمثل في استمرار تراجع قيمة العملة في ظل ارتفاع التضخم فوق 100%، وتفاقم الاضطرابات الاجتماعية قبل الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول.
تآكل الاحتياطيات
قال “فرناندو لوسادا” العضو المنتدب في بنك “أوبنهايمر” الاستثماري، إن قلة الاحتياطيات تؤدي إلى مزيد من الضغط على سعر الصرف، ما يؤدي بدوره إلى مزيد من الضغط على التضخم.
كافحت الأرجنتين لبناء احتياطيات بالعملة الأجنبية والحفاظ عليها عند مستويات صحية لعقود من الزمن، لكنها عانت في مكافحة ارتفاع الأسعار في الوقت الذي تحاول فيه الوفاء بالتزاماتها على السندات الخارجية.
تمتلك البلاد الآن (من الناحية الفنية) أقل من 34 مليار دولار من إجمالي الاحتياطيات الأجنبية، لكن أغلبها في أصول غير سائلة، مثل الذهب وخطوط مقايضة الائتمان مع الصين وبنك التسويات الدولية والدولارات التي يضعها المواطنون في حسابات التوفير.
هذه مشكلة بالنسبة لبلد يحتاج إلى نقود جاهزة للإنفاق فوراً، خاصة أن التزامات الأرجنتين بالعملة الأجنبية تجاوزت بالفعل إجمالي الاحتياطيات بنحو مليار دولار.
هذا أسوأ مستوى يصل إليه الدين الأجنبي مقارنة بالاحتياطيات النقدية، منذ تعرضت البلاد للأزمة الاقتصادية في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفقاً لتقرير “إكونوميا آند استراتجيا”.
نزيف الدولارات
كانت الأرجنتين تنفق من احتياطياتها الدولارية في الوقت الذي تحاول فيه إيقاف هبوط سعر صرف البيزو في السوق الموازي، والذي حل محل سعر العملة الرسمي وسط الضوابط الحكومية الصارمة على رأس المال.
في الأسبوع الأول من مايو/أيار، باع البنك المركزي نحو 470 مليون دولار لدعم العملة في السوق الموازي، حسبما قال “فرناندو مارول”، الاقتصادي في “فاميا” للاستشارات التي تتخذ من بوينس آيرس مقراً لها.
مع ذلك، لا يبدو أن الحكومة تنجح في هذا المسعى، حيث خسر البيزو في السوق غير الرسمي نحو 13% مقابل الدولار الأميركي الشهر الماضي، وبلغت خسائره 33% منذ بداية العام، وهو أكبر انخفاض لعملات الأسواق الناشئة الرئيسية.
سعر صرف البيزو في السوق الموازي، المعروف محلياً باسم مقايضة الرقائق الزرقاء، لا يزال عالقاً بالقرب من أدنى مستوى له على الإطلاق والذي سُجل في أواخر أبريل/نيسان.
حاول الرئيس “ألبرتو فرنانديز” في السابق، تعزيز الاحتياطيات عن طريق إدخال الدولارات المحققة من الصادرات إلى حسابات البنك المركزي بشكل إلزامي.
هذه الإجراءات لم تنجح، وسحب “فرنانديز” ترشيحه لولاية رئاسية أخرى، إذ لم يعد لديه ضمانات بأن المحادثات لإعادة صياغة برنامج بقيمة 44 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي ستؤدي إلى تسريع صرف القروض والمساعدة في تخفيف الضغوط.
الخوف يحكم
قال متحدث باسم البنك المركزي الأرجنتيني إن حساب السوق لصافي الاحتياطيات لا يعكس ميزانيته العمومية بشكل صحيح، لأنه لا يأخذ في الحسبان مصادر التمويل الأخرى، مثل خط مبادلة العملات مع الصين.
أقر المسؤولون إجراءات طارئة، بما في ذلك الاستفادة من مقايضة مع الصين لتمويل 1.8 مليار دولار من الواردات، كما أنهم يعملون مع البرازيل لتعزيز التجارة الثنائية بخطوط ائتمان بالريال، ما يسمح لهم بتقليل الاعتماد على الدولار.
بالنسبة للأرجنتينيين، فإن حالة شديدة من عدم اليقين تهيمن على المشهد، وبسبب قرار البنك المركزي تجميد الوصول إلى مدخرات الدولار خلال الأزمة الاقتصادية عام 2001، بدأ العديد منهم في سحب مدخراتهم.
سحبوا بالفعل أكثر من مليار دولار من الودائع الدولارية من النظام المصرفي بين أواخر مارس/آذار ونهاية أبريل/نيسان، حيث أصبحت المؤشرات قليلة على إمكانية إعادة بناء الاحتياطيات في أي وقت قريب.
أدى أسوأ جفاف تشهده البلاد خلال قرن إلى القضاء على أي احتمال لتدفق النقد الأجنبي من الصادرات الزراعية، والآن في ظل وجود احتياطيات حقيقية بالقيمة السالبة، فإن البنك المركزي ليس لديه القدرة على مواجهة استمرار هروب الودائع الأجنبية أو أي ضغوط جديدة.