كما كان متوقعاً. أضرب أساتذة التعليم الرسمي في مختلف المناطق اللبنانية في اليوم الأول لافتتاح الفصل الثاني من العام الدراسي، وذلك رداً على وعود وزير التربية عباس الحلبي بدفع خمسة دولارات لكل أستاذ عن كل يوم حضوري. ورغم تراجع الوزير عن تصريحاته السابقة مؤكداً “أن مبلغ الخمسة دولارات يومياً لا يساوي شيئاً تجاه القيمة الكبيرة لعطاءات أفراد الهيئة التعليمية والإدارية”.. لافتاً إلى أنه “صرف النظر عن هذا الموضوع وسحبه من التداول”، عم الإضراب كل الثانويات والمدارس، ولو بشكل متفاوت في المناطق.
إقفال المدارس بكل لبنان
وفي التفاصيل، كان الواقع على الأرض اليوم الإثنين في 9 كانون الثاني متسماً بفوضى تربوية عارمة، فتكاد ولا ثانوية واحدة أو مدرسة لم تشهد إما إقفالاً تاماً أو جزئياً، بفعل تمنع عشرات أفراد الهيئة التعليمية عن التعليم. بمعنى أنهم حضروا إلى مدارسهم ووقعوا على دوامات الحضور وسجلوا امتناعهم عن التعليم، وسط دعوات للتصعيد، وصولاً إلى إقفال كل المدارس في لبنان.
وشهد هذا اليوم تفلت الأساتذة من أحزابهم، المصرّة على التعليم، حتى في مناطق الجنوب، حيث صوّت أساتذة في ثانويات لخيار اقتصار التعليم على يومين في الأسبوع، أي ما يطالب به ممثلو حزب الله منذ أكثر من سنة في رابطة التعليم الثانوي. وحتى مندوبو حركة أمل شاركوا في توقيع عرائض تدعو إلى عدم العودة إلى التعليم قبل تحقيق مطالب الأساتذة.
على مستوى المناطق، شهدت كل الثانويات والمدارس في النبطية وصور ومرجعيون وصيدا وبيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال، تحركات جماعية أو فردية للأساتذة وأقفلوا مدارسهم نهائياً، أو وقعوا على دوامات الحضور واعتصموا في الملاعب. لكن مع تسجيل خروقات حتى داخل المدرسة الواحدة، حيث عاد طلاب إلى بيوتهم فيما علّم الأساتذة غير المضربين بعض الصفوف.
وكذلك نفذ عشرات الأساتذة اعتصاماً أمام وزارة التربية في يوم الانتفاضة لكرامتهم ضد ما اسموه إهانات وزير التربية والمسؤولين في الوزارة لهم، في قضية الدولارات الخمسة، التي صرح عنها سابقاً. ويشير بعض المعتصمين لـ”المدن” أن تهديدات المسؤولين في الوزارة بتسطير تنبيهات واستدعاءات لم يعد يجدي نفعاً، خصوصاً أن الاعتصام حشد أكثر بكثير من اعتصامات روابط المعلمين، بعدما فقد الأساتذة الثقة بها.
حلول قيد الإعداد
مصادر تربوية مطلعة أكدت لـ”المدن” أن الفوضى التربوية الحالية ستستمر في الأيام المقبلة، ما قد يساهم في “إخراج” حلول جديدة قد ترضي الأساتذة. فهذه التحركات ستضغط ليس على الوزير بل على بعض المسؤولين في الوزارة الذين ينصحون الوزير، وتعود وتنفجر الأمور بوجهه.
وثمة حلول يجري العمل عليها حالياً، وتقوم على مبادرة جديدة من وزير التربية تجاه روابط المعلمين والأساتذة. ويقوم الحل على منح الأساتذة إما بدل إنتاجية يومي لتعويض ولو جزء بسيط من تراجع رواتبهم، لكنه بحاجة لقرار من الحكومة اللبنانية، أو الذهاب إلى منح الأساتذة ما توفر من أموال بالدولار النقدي. وبما أن الحل الأول صعب المنال في ظل حكومة تصريف الأعمال، قد يصار إلى تأمين نحو سبعين دولاراً بالشهر لكل أستاذ، من خلال استخدام المنح المخصصة لصناديق المدارس.
لن يكذب على الأساتذة
وتضيف المصادر أن إخراج هذا الحل كي يصبح مقبولاً يحتاج إلى مصارحة الأساتذة بشفافية وتحميل الجهات المسؤولة مسؤوليتها وبالأسماء. أما تهديد الأساتذة وإلقاء التهم عليهم بالتآمر على التعليم الرسمي، فينم عن جهل المستشارين بواقع الأرض والغضب الفعلي الذي يعيشه الأساتذة. لكن مصادر معارضة لهذا الطرح تعتبر أن الحل المقبول، والذي قد يعيد انتظام العمل في الثانويات، يجب ألا يقل عن منح الأساتذة مئة دولار في الشهر، بعد الوعود بمنح 130 دولاراً.
ففي الفترة السابقة، عرض أحد المسؤولين في الوزارة على الحلبي منح الأساتذة حوافز بـ130 دولاراً حتى ولو لمدة شهرين. أي استخدام الأموال المتوفرة خلال مطلع الفصل الثاني خلال شهرين لمنع حدوث الإضرابات الحالية. وبعدها لكل حادث حديث. لكن الحلبي رفض الفكرة لأنها ستكون بمثابة كذب صريح على الأساتذة. بالتالي، عمل على إجراء حسابات لتوزيع الأموال المتوفرة على الأشهر المتبقية من العام الدراسي، وعدم التصادم مع الأساتذة بعد شهرين.
في موت سريري
ووفق المصادر، لم ينصت الوزير لممثلي الروابط في قضية الدولارات الخمسة، وعدم طرحها بهذه الطريقة المهينة. وبعد عرضه لها على الإعلام تراوحت الآراء، وخصوصاً داخل رابطة الثانوي، بين من يدعو للإضراب لمدة أسبوع ومن يريد الإضراب المفتوح ومن يريد تنفيذ اعتصام ليوم واحد.
لكن الفوضى التربوية وصلت إلى رابطة التعليم الثانوي، خصوصاً أن أعضاء فيها يقاطعون الجلسات. وقد باتت في موت سريري بسبب تصرفات العديد من الأعضاء. ورغم أن الهيئة الإدارية للرابطة لم تتسلم رسمياً استقالة رئيسة الرابطة ملوك محرز، وجرت وساطات لإقناعها للعودة عن الاستقالة، في محاولة لتمرير ما تبقى من العام الدراسي، إلا أن الوضع الحالي لا يشي بأن العام الدراسي قد انفجر، ولا حلول جدية قد تعيده إلى الانتظام. حتى أن عودة محرز عن الاستقالة غير مطروحة حالياً، خصوصاً أنها تلقت السهام من الجميع، ومن بعض أعضاء الهيئة الإدارية للرابطة أنفسهم، وكيل بحقها كل أنواع الشتائم، وتحملت كل أخطاء الرابطة والمسؤولين في الوزارة.