كما تغيّر كل شيء من بعد انطلاق انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، كذلك تغيّرت ارقام موازنة 2020 متأثرة بتراجع حجم الايرادات المقدّرة وارتفاع العجز العام. صحيح انه لا يمكن الجزم من الآن في مدى تطابق أرقام الموازنة بما سيحمله العام 2020، لكن الأكيد انّ المطلوب في موازنة 2021 تغييراً جذرياً في هيكلية إنفاق الدولة.
أكد عضو لجنة المال النائب نقولا نحاس انّ اللجنة عملت مع كل الفرقاء وعملت على خفض النفقات الى أقصى حد قبل انتفاضة 17 تشرين الاول، صحيح انّ المعطيات تغيرت بعد هذا التاريخ لكنّ نحاس يؤكد انه ليس في مقدور اللجنة ان تدخل المزيد من التغيير في ارقام الموازنة لأنّ هذه التغييرات تمسّ في هيكلية الدولة، وهذا لا يدخل ضمن صلاحيات اللجنة إنما الحكومة المقبلة التي عليها ان تعد موازنة 2021. وجزمَ نحاس بأنّ ارقام موازنة 2020 انتهت، واكد عبر «الجمهورية» انّ هذه الموازنة تجاوبت مع التخفيضات الاساسية التي أقرّتها الحكومة وقامت لجنة المال بالمزيد من التخفيضات حتى وصل حجمها الى 17 الف مليار بعدما كان حجمها 24 الف مليار منذ نحو سنتين، لكن ليس هناك اي اجراءات جوهرية في العمق إنما «تشحيل» قدر الامكان.
وشرح انّ التراجع في ارقام الموازنة الى 17 الف مليار أتى نتيجة قبول مصرف لبنان بأن يأخذ على عاتقه ان يتحمّل 4 آلاف مليار.
لكن ما حصل بعد 17 تشرين الاول أدى الى تراجع ايرادات الدولة، بحيث وردنا مكتوب من وزارة المالية تتوقع فيه تراجع الايرادات الى 14 الف مليار. وبرأيي انه لا يمكن اليوم، بنتيجة الظروف التي نمر بها والتعثر الاقتصادي الحالي، ان نرتكز على رقم دقيق لننطلق منه، اي لا يمكن معرفة ما ستكون عليه ايرادات الدولة بشكل دقيق. لذا، نحن كلجنة مال أبدينا تحفّظنا على الارقام الواردة، وذكرنا انّ الواردات هي توقع مبدئي، ولكن المعطيات تشير الى انّ ارقام الموازنة تحتاج الى اعادة نظر من قبل الحكومة، وللاسف ليس لدينا حكومة اليوم لنبحث معها في هذه الارقام.
أضاف: إعتمدنا ارقام الموازنة هذه حتى نتمكن من الانتقال الى الانفاق الجديد مع كل التخفيضات التي أدخلناها، ولتجنّب الصرف على القاعدة الاثني عشرية.
وأسف نحاس لأنه رغم كل هذه الاجراءات فنحن لا نزال نعمل ضمن المسار الاقتصادي نفسه، في حين انّ على الحكومة وكل الطقم السياسي ان يستوعب خطورة ما يجري والاسراع الى وضع برنامج إصلاحي متكامل، أي برنامج لإعادة هيكلة الاقتصاد لأنه بحاجة الى اعادة صياغة على صعد مختلفة، كذلك الدولة والسياسات الاجتماعية بحاجة الى اعادة صياغة، لا بل انّ كل مكونات الاقتصاد بحاجة الى ذلك أيضاً.
ورداً على سؤال، اعتبر نحاس انّ المطلوب اليوم تغيير كل المسار الاقتصادي والسياسي المعمول به راهناً وبناء مسار مختلف ومغاير، لأنه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو بعد اليوم. وأوضح انّ إمكانات الدولة الاقتصادية لم تعد قادرة على تحمّل حجم الانفاق والبالغ 24 الف مليار، علماً انّ 40 في المئة من الانفاق يذهب نحو الاجور ومعاشات التقاعد وما بين 30 الى 31 في المئة فوائد، على ان يبقى 25 في المئة منه للانفاق العام وهذا رقم غير كاف لتسيير منشآت الدولة والاستثمار… وتشكل الكهرباء 8 في المئة من حجم الموازنة، والكهرباء هي عنوان التخبّط السياسي الموجود.
ودعا نحاس الى خطة إنقاذية متكاملة تتعلق بكل مكونات الاقتصاد شبيهة بما جرى في كل بلدان العالم التي مرّت في ظروف صعبة. واعتبر ان ليس المهم اليوم ان تدخل الاموال الى لبنان بل الأهم إنجاز الاصلاح، وهو ضرورة قصوى. ورغم كل خطط الاصلاح لم نتمكّن من تطبيق أيّ منها حتى الآن. لذا، المطلوب اليوم مقاربات جديدة ونهج جديد لبناء دولة حقيقية بعيدة عن الاصطفاف المذهبي.