«المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، هكذا علق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث لـ«رويترز» على ادعاء النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش ضده وشقيقه رجا ومساعدته مريان حويك «وكل من يظهره التحقيق بجرائم تبييض أموال والاختلاس والتهرب الضريبي والتزوير». وأحال حاموش ملف الادعاء إلى قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا طالباً منه استجواب المدعى عليهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.
تصريح سلامة بأنّه بريء من الاتهامات التي لا تمثل لائحة اتهام، يشير إلى أنه سيستمر في وظيفته طالما أن لا قرار قضائياً محلياً يتوقع أن يصدر بحقه، سواء بإبرائه أم اتهامه، قبيل انتهاء ولايته. بالتالي لا سبيل إلى إقالته في ظل غياب حكم ثبوت الجرم عليه.
ما سبق يقود إلى سؤال رئيسي: هل الادعاء على سلامة يأتي في إطار إفراغ ملفه وتنييمه وإعاقة التحقيقات الأوروبية أم هو مسعى فعلي لمحاسبته وملاحقته بالجرائم التي دفعت فرنسا وألمانيا إلى تجميد أموال وعقارات خاصة به في الخارج؟
تقول مصادر قضائية رفيعة إنه كان أمام القاضي حاموش خياران فور إحالة ملف حاكم مصرف لبنان إليه: 1- مخالفة القانون كما فعل النائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبي حيدر الذي امتنع عن تنفيذ طلب مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات منذ 9/6/2022 قبل أن يُعاد تحريك الملف بضغط من القضاة الأوروبيين وتحت وطأة التهديد بالعقوبات، الذي أدى إلى ردّ الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله لأبي حيدر عن الملف وتعيين حاموش عوضاً عنه. 2- الادعاء على سلامة تنفيذاً لطلب القاضي عويدات الخطي وفقاً للمادة 13 من أصول المحاكمات الجزائية التي تؤكد على «سلطة النائب العام لدى محكمة التمييز على جميع قضاة النيابة العامة وله أن يوجه إلى كل منهم تعليمات خطية أو شفهية في تسيير دعوى الحق العام (…) ويحيل إلى كل منهم بحسب اختصاصه التقارير والمحاضر التي ترده بصدد جريمة ما ويطلب إليه تحريك دعوى الحق العام فيها». على هذا الأساس بادر حاموش بالادعاء على حاكم مصرف لبنان فقط لا غير. بالتالي يصبح الأمر منوطاً بقاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا لجهة استكمال التحقيق وإجراء الاستجوابات ثم ملاحقة المدعى عليهم أو تبرئتهم. وفي ما إذا كان هذا الإجراء سيعيق مسار التحقيقات الأوروبية خصوصاً أن القضاة يعتزمون العودة إلى لبنان في مطلع آذار لاستكمال الاستجوابات، يشير المصدر إلى أنه بإمكان أبو سمرا طلب تأجيل هذه الاستجوابات إلى حين انتهائه من التحقيقات، كما يمكنه التجاوب معهم في حال عدم تعارض التحقيقات الأوروبية مع سير دعوى الحق العام. إلا أنه في مختلف الأحوال، لا يحول قرار أبو سمرا دون الادعاء على سلامة في الخارج في حال توافر عناصر الجرم والمستندات الكافية لدى القضاة لملاحقته.
هل يتمتع سلامة بحصانة مطلقة؟
الإجراءات القضائية اللبنانية المتسارعة قبيل موعد زيارة الوفد الأوروبي مجدداً إلى لبنان تدفع جهات قضائية لبنانية إلى الشكّ في الهدف من وراء هذا الادعاء خصوصاً مع قرب إحالة أبو سمرا إلى التقاعد بعد أشهر لبلوغه الثامنة والستين، بالتالي انتقال الملف إلى قاض آخر. وإلى حينه، يكون سلامة قد قدّم دفوعاً شكلية وينتظر صدور القرار فيها، ويتخوف البعض هنا من تلطيه خلف حصانته لردّ الدعوى بنفس الطريقة التي اعتمدها وكلاؤه في تشرين الثاني 2020 عند حضورهم جلسة جزائية ضد الحاكم في الدعوى المرفوعة من مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام». يومها، قدّم سلامة مذكرة بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان واستند إلى المادة 12 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (قانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015) التي تنص على تمتع كل من «رئيس الهيئة وأعضائها والعاملين لديها أو المنتدبين من قبلها بالحصانة ضمن نطاق عملهم بحيث لا يجوز الادعاء عليهم أو على أحدهم أو ملاحقتهم بأي مسؤولية مدنية أو جزائية تتعلقان بقيام أي منهم بمهامه»، رغم أن الدعوى المقدمة ضده هي بصفته حاكماً لمصرف لبنان لا رئيساً للهيئة، فكيف إذا كان رئيس الهيئة المعنية بمكافحة تبييض الأموال متهماً اليوم بتبييض الأموال.
ثمة منحى آخر لإقالة سلامة في المادة 19 من قانون النقد والتسليف التي تحدد 4 شروط للإقالة: 1- عجز صحي مثبت بحسب الأصول، 2- إخلال بواجبات وظيفته في ما عناه الفصل الأول من الباب الثالث من قانون العقوبات (الرشوة، صرف النفوذ، الاختلاس واستثمار الوظيفة، التعدي على الحرية، إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة)، 3- مخالفة أحكام المادة 20 التي تنص على تفرغ الحاكم ونائبيه بكليتهم للمصرف وعدم جمعهم بين وظائفهم وأي وظيفة أخرى أو تلقي منفعة في مؤسسة خاصة، 4- خطأ فادح في تسيير الأعمال.
لكن من هي الجهة المخولة إقالته في حال ثبوت واحدة من هذه الشروط؟ تجيب مصادر قانونية أنه عملاً بقاعدة الموازاة في الأشكال والصيغ، الجهة المخولة بإقالته هي الجهة التي عينته أي مجلس الوزراء وبأكثرية الثلثين، إذ يخضع لنظام إقالة موظفي الفئة الأولى. ما يعني أن القرار الرئيسي في هذه القضية بيد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الحامي الأول لسلامة والمصارف. فضلاً عن أن ميقاتي هو جزء من تحقيق قضائي في إمارة ليختنشتاين. فقد طلبت الإمارة في أيلول 2022 مساعدة القضاء اللبناني في دعوى مقامة ضد سلامة، وإفادتها بمعلومات حول اتفاق مزعوم بين مجموعة M1 (مجموعة أنشئت في العام 2007 من قبل نجيب ميقاتي وشقيقه طه) وشركة سلامة السويسرية SI 2 SA وحول تحويلات مالية بين الشركتين حصلت عام 2016 ووصلت قيمتها إلى 14 مليون دولار.