في ظل الأزمات الإقليمية الحالية، شهدت اقتصادات لبنان وإيران وإسرائيل تحديات جسيمة تُبرز تأثيرات النزاعات والحروب على الاستقرار الاقتصادي بدءًا بالخسائر الاقتصادية في هذه البلدان، مرورًا بالتصنيفات الائتمانية وليس انتهاءً بالتحديات الاقتصادية الداخلية.
الأزمة الاقتصادية
تأثرت السياحة في لبنان بشكل بالغ نتيجة النزاعات الأخيرة. وبعد توقعات بنمو القطاع السياحي بمقدار 6 مليارات دولار، تراجعت التقديرات إلى 2 مليار دولار بسبب تصاعد النزاعات والهجمات الإسرائيلية على مناطق مختلفة في لبنان، ما أدى إلى مغادرة معظم السياح والمغتربين. كما قُدرت الخسائر الاقتصادية في لبنان بعد الضربات الأخيرة بنحو 500 مليون إلى 800 مليون دولار يوميًّا.
رغم هذه التحديات، تمكن مصرف لبنان من الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وزيادة الاحتياطي الإلزامي بمقدار 1.7 مليار دولار. ومع ذلك، تظل الأوضاع الاقتصادية غير مستقرة، ويواجه لبنان صعوبات في جذب الاستثمارات السياحية والتجارية في ظل الأزمات السياسية والأمنية.
الأزمة الاقتصادية الإيرانية
يواجه الاقتصاد الإيراني ضغوطات متعددة نتيجة العقوبات الدولية والأزمات الداخلية. أدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأخرى على قطاع النفط الإيراني إلى تقليص الإيرادات وتدهور قيمة العملة المحلية. كما يعاني الاقتصاد من تضخم مرتفع وأزمات مالية هيكلية.
تشير التقديرات إلى أن العقوبات الأميركية قد ترفع معدلات التضخم إلى 50% هذا العام، مع تراجع قيمة التومان الإيراني أمام الدولار بشكل حاد. وقد سجلت إيران صادرات نفطية قياسية في الربع الأول من 2024، لكنها تواجه صعوبات في ظل التوترات الإقليمية والتحديات الاقتصادية.
في ظل هذه الأوضاع، يخشى الاقتصاد الإيراني من تفاقم الأزمات في حال تفاقم النزاع إلى حرب شاملة. وقد يتسبب التصعيد المحتمل في تفاقم الأزمات الاقتصادية القائمة، ويضع عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من معدلات تضخم مرتفعة وارتفاع في أسعار الواردات.
الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية
أحدثت الحرب المستمرة على قطاع غزة تأثيرات عميقة على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث خفضت وكالة “فيتش” تصنيفها الائتماني لإسرائيل من A+ إلى A، مع نظرة مستقبلية سلبية. هذه الحرب، التي تكبدت إسرائيل تكاليف هائلة، من المتوقع أن تؤدي إلى خسائر مالية تتجاوز التقديرات الأولية البالغة 60 مليار دولار. وقد تحملت إسرائيل بالفعل تكاليف تصل إلى 8 مليارات دولار لدعم الشيكل، بينما تراجعت احتياطاتها من العملة الصعبة.
في سياق هذه الحرب، صادق الكنيست الإسرائيلي على زيادة ميزانية الحرب لعام 2023 بنحو 28.9 مليار شيكل (7.87 مليار دولار)، ليصل إجمالي الميزانية إلى 484 مليار شيكل (131 مليار دولار). كما تم تعديل ميزانية 2024 لرفعها إلى 582 مليار شيكل (156 مليار دولار). وقد ارتفعت ميزانية الجيش الإسرائيلي لعام 2024 إلى 117 مليار شيكل (31.6 مليار دولار)، بزيادة كبيرة مقارنة بالميزانية الأصلية.
تأثرت الميزانية العامة بشكل ملموس، حيث سجلت عجزاً قدره 22.9 مليار شيكل في أكتوبر 2023، مقارنة بـ4.6 مليارات شيكل في الشهر السابق. وتسببت الحرب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات العجز بصورة غير مسبوقة. تتوقع التقديرات الاقتصادية أن تكون السنوات القادمة، وخاصة عام 2025، “سنوات ضائعة” بسبب هذه النفقات العسكرية المرتفعة.
على الرغم من ارتفاع تكلفة الحرب، تواصلت الخلافات بين وزارة المالية ووزارة الدفاع حول الميزانية، مع تحذيرات من تجاوز عجز الموازنة. وقد أشار الرئيس التنفيذي لبورصة تل أبيب إلى أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى تحول الاقتصاد الإسرائيلي من الرفاه إلى الركود، مع احتمالية أن تستمر هذه الأزمة لسنوات قادمة.
تتعرض اقتصادات لبنان وإيران وإسرائيل لتحديات كبيرة نتيجة النزاعات والحروب. في حين يسعى كل من هذه البلدان إلى مواجهة الأزمات الاقتصادية بشكل مختلف، تظل الآثار السلبية على الاستقرار الاقتصادي واضحة. أما على الصعيد اللبناني فيتطلب الوضع الحالي استجابة حازمة وتخطيطاً إستراتيجياً لتخفيف تأثيرات هذه الأزمات على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي في المستقبل.