المشهد أمام المحطات عصر أول من أمس كان غير مسبوق. طوابير السيارات أمامها ضربت بثلاث وأربع مرات، بعد إعلان ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أن “المحطات ستقفل أبوابها خلال أيام بسبب نفاد المحروقات”. وبحسب المعلومات فان مصرف لبنان لم يعط حتى صباح البارحة اي موافقة مسبقة للشركات المستوردة للنفط تسمح لها بتفريغ البواخر التي وصلت الى المياه اللبنانية. ليبقى السؤال إن كانت ستفتح الإعتمادات، وستفتح، فماذا ينفع التأخير. وإن كانت لن تفتح هذه المرة بشكل قاطع، فلماذا لم تبدأ مرحلة الترشيد ويعلن عن رفع الدعم صراحة. وليملأ ساعتذاك خزان سيارته من يقدر، وليركنها في وسط الطريق من لا يستطع ويتوقف عن الذهاب إلى العمل. فيتعطل الإقتصاد، وتتزايد الأعباء ويصاب البلد بالشلل التام. عندها قد تتحمل الدولة مسؤوليتها بايجاد الحلول والمخارج المنطقية.
“ما يجري هو إعطاؤنا نموذجاً عن انقطاع الخدمات والسلع الأساسية بهدف التخفيف من رد الفعل عند رفع الدعم”، يقول نائب رئيس الحكومة السابق الوزير د. غسان حاصباني. “فبعد معاناة المواطنين وتعرضهم للإذلال مقابل الحصول على الحاجات الأساسية والضرورية، سواء كان على المحطات أو أمام الصيدليات والأفران والمحلات وغيرها، يصبح تقبلهم لرفع الدعم وارتفاع الأسعار أسهل”. هذه السياسة البسيكولوجية الخطيرة التي “تتسلى” فيها السلطة، يقابلها “غياب أي خطة جدية، متكاملة واضحة المعالم لتأمين البديل”، برأي حاصباني. و”كل الحلول المقترحة تبقى “ترقيعية”، ما لم يصَر إلى تأمين الإستقرار السياسي، وإعادة تكوين السلطة من خلال انتخابات نزيهة، والبدء بالإصلاحات واستعادة الثقة.
الإستراتيجية التي ستعتمد لتأمين البنزين والمازوت والدواء ستكون مشابهة تماماً لسلفة الكهرباء. حيث لن يدفع حاكم مصرف لبنان دولاراً واحداً إلا على شفا الإختناق وبعد حصوله على موافقة السلطة السياسية. وبذلك يحمي نفسه معنوياً من عبء إهدار أموال المودعين تحت عذر الأمر الواقع، ويمنّن المواطنين من حساباتهم. و”الخوف ألّا تقف هذه العملية عند حدود ما تبقى من توظيفات إلزامية، بل أن تتعداها في ظل هذا الفراغ والفشل السياسي المستحكم إلى احتياطي الذهب في المرحلة المقبلة”، يقول المسؤول عن الملف الإقتصادي في الحزب التقدمي الإشتراكي محمد بصبوص. خصوصاً أن احتياطي العملات الصعبة لامس الخط الأحمر وبدأت اليد تمتد الى التوظيفات الإلزامية المقدرة بـ 14 مليار دولار بعد تخفيضها نقطة واحدة من 15 إلى 14 في المئة.
ي الوقت الذي يعول فيه الإقتصاد بمختلف قطاعاته السياحية والخدماتية على مجيء السياح والمغتربين الذين يحملون النقد الصعب، تؤدي أزمات الكهرباء والمحروقات إلى إلغاء الحجوزات. الأمر الذي دفع بعضو نقابة أصحاب المحطات جورج البركس إلى اعتبار ما يجري “جريمة بحق البلد”. فمن صرف برأيه عشرات مليارات الدولارات من أموال المودعين، “يستطيع ان يصرف بضعة ملايين لانقاذ فصل الصيف الذي سيعيد اليه اضعاف ما سيصرفه من الدولارات”. مناشداً الحكومة ومصرف لبنان أن “يعلنا بوضوح عن سياستهما في هذا القطاع ومصارحتنا ومصارحة الشعب اللبناني بحقيقة ما يريدان فعله. فان كانا يريدان رفع الدعم، فهذه خريطة طريق لرفعه خلال 4 اشهر:
– يخفض الدعم تدريجياً بنسبة 22 في المئة شهرياً وعلى فترة أربعة أشهر.
– يقر المجلس النيابي قانون البطاقة التمويلية التي يبدأ العمل بها خلال الشهر الثاني من بداية رفع الدعم.
– يؤمن مصرف لبنان فوراً وخلال هذه الفترة الاعتمادات المطلوبة لاستيراد المحروقات التي توقف الطوابير والاذلال وتقنين المولدات.
– تتخذ وزارتا الاقتصاد والطاقة ومنشآت النفط والاجهزة الأمنية كافة الإجراءات المتوجبة لوقف تسليم المحروقات لتجار التهريب المعروفين جيداً.
– تأمين تسليم المحطات على كامل الاراضي اللبنانية مادتي البنزين والمازوت من خلال الشركات المستوردة المتعاقدة معها أو شركات التوزيع.
– يخصص لتمويل هذه الخطة 750 مليون دولار اميركي سيعاد تكوينها بالكامل واكثر من اموال المغتربين والسياح الذين سيمضون العطلة الصيفية في لبنان.
وفي حال كانت الحكومة تصر على ابقاء الدعم كما هو، فلتأخذ كافة الاجراءات لتأمين الدولارات لاستيراد المحروقات ووقف مهزلة إذلال الناس وأصحاب المحطات.
ما يجري اليوم من وقف مفاجئ لاستيراد المحروقات يرقى إلى مستوى الفعل التدميري. وهو يشبه كل سياسات الدولة الضعيفة. فكما تحمل كل المواطنين عبء الضرائب غير المباشرة لعدم قدرتها على تحصيل حقوقها، “تجلد” المواطنين بتقنين البنزين لعجزها عن مكافحة التهريب والتخزين.