في بلد العجائب والغرائب يُمكن ان يُعيّن في مناصب حساسة من هم من خارج الاختصاص وحتى من خارج الملاك العام. لذا، لا يكون مستغرباً أن تقوم القيامة ولا تقعد بغية تقريب موعد جلسة مجلس الوزراء لتعيين مدير عام وزارة الاقتصاد المحسوب على حركة “أمل” وذلك قبل بلوغه الـ40 من العمر.الى ذلك من الطبيعي أن يُثار جنون أوساط رئاسة الجمهورية لتعيين مدير عام الحبوب والشمندر السكري المحسوب عليها، كما وقد لا يكون مستحيلاً أيضاً ان يطلب رأس الوزارة راوول نعمه من مدير مكتب عدد من الوزراء السابقين، العودة لاستلام زمام أمور الوزارة بكلّ تفاصيلها وفي توقيت مثير للتساؤلات وربما للرّيبة. لكن ان يعمل الوزير التكنوقراطيّ على تعيين رئيس أصيل للجنة الرقابة على هيئات الضمان، في ظروف قاتمة تهدد القطاع والمؤمّنين، فذلك لا يبدو في سُلّم أولوياته ولا حتى في أسفله.
من حيث المبدأ، يُفترض أن تكون اللجنة المرجع الرقابي المنوط بها اتخاذ التدابير المناسبة لحماية الشركات وحماية المؤمّنين لديها، لا تأزيم أوضاع تلك الشركات وإغراقها بفعل قرارات متسرّعة واعتباطية وغير قانونية، أكان عملاً بقرارات الوزير أو حتى باللاقرارات.
في الحقيقة لا تُقدّم واقعتا التعيينات ومعها اعادة موظف الى مكتب الوزارة شيئاً جديداً، بل انها مجرد حلقة من مسلسل المحاصصة التعيينية في حكومة ادّعت ولا تزال انها مستقلة. لكن الغريب استمرار غياب وزير التجارة والاقتصاد راوول نعمه او ربما تغييبه عن القرارات المصيرية، ذلك اصلاً ان كانت له كلمة فيها. هذا ما تؤكده سياسة المماطلة بتعيين رئيس أصيل للجنة الرقابة على شركات التأمين، خصوصاً في ظلّ أزمة يعاني منها قطاع برمّته من خطر الزوال، فيما الجهة المنوطة بها المراقبة عاجزة عن اتخاذ أي قرار، في حين ان المرحلة الراهنة تتطلب قرارات صارمة لحماية القطاع والأهم حماية المؤمَّنين.
ففي كانون الثاني من العام 2019 الماضي، توقفت المصارف عن القيام بأية تحاويل بالعملة الصعبة الى الخارج وتحديداً الى معيدي التأمين (reinsurer). هذه المعضلة مستمرة حتى اليوم، ما يعني ان الوضع سيتفاقم اكثر قريباً جداً خصوصاً لناحية تجديد معامل ومصانع يعود جزء مهمّ منها للدولة، فيما الجزء الأكبر يعود للقطاع الخاص الذي يعاني أصلاً من مخاطر وجودية. هذا من جهة، اما من جهة ثانية فان الشركات اليوم مهددة بالاقفال لفقدانها غطاء معيدي التأمين.
عن الموضوع يوضح مصدر مطّلع في القطاع أن “الوزارة ومعها اللجنة لا تأخذان في الاعتبار الظروف التي تمر بها البلاد ومعها القطاع التأميني. وقد قام عدد من الشركات بإبلاغ الوزير بالصعوبات التي تعاني منها، مشددة على ان شركات كثيرة بالكاد قادرة على الاستمرار لفترة 3 اشهر، الا انه لم يتم الإصغاء الى هذه المخاوف خصوصاً وان الفوضى المتأتية من فلتان سعر الصرف مقابل الدولار آخذة بالتفاقم. أما في ما خصّ طريقة عمل المصارف مع الـ reinsurer فلا تزال ضبابية. وهنا تتحمل المسؤولية كاملة الوزارة المصرّة على تسعيرة الـ1515، في وقت تغطي شركات التأمين التزاماتها كافة بالدولار. لكن وفي جميع الأحوال وبغض النظر عن معالجة هذه المشكلة ام لا، على الوزير محاولة إيجاد حلول عملية تكون منصفة للشركات وللمؤمّنين على حدّ سواء، للمحافظة على استمرارية القطاع وهو ما لا يقوم به نعمه منذ يومه الأول ولغاية اليوم”.
في مقابل ذلك، وفي خضمّ أزمة الدولار، تقوم شركات عاملة في القطاع بالعمل على اصدار بوالص جديدة بالدولار، مبررة ذلك بانه وفي حال سدّد المؤمّن قيمة البوليصة بالدولار الأميركي، فإن تغطيته تكون بالعملة الخضراء اما ان سددها بالليرة وعلى أساس سعر الصرف الرسمي، فإن التغطية تكون محددة بالليرة. لكن وفي كلا الحالتين فات هذه الشركات أكان المؤمّن من أصحاب الدولارات ام من ذوي “بعض” الليرات، أنها قد لا تتمكن من تأمين المرضى أو قطع السيارات بفعل استمرار المصارف بسياسة حجز الدولارات. ورغم ان عدداً من شركات التأمين يعمل لصون حقوق المؤمّنين الا ان هناك عدداً لا يُستهان به من الشركات الراغبة، وعلى غرار أي جهة تجارية بتكوين أرباح في أسوأ توقيت يشهده اللبنانيون. وفي خضمّ كلّ ذلك، يبقى “التطنيش” نهج وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه المتهرّب من المواجهة او المجابهة، في قضايا من شأنها أن تسبب له صداعاً نصفيّاً في المدى المنظور.