لم تكتمل فرحة اللبنانيين بالتيار الكهربائي، وعدت الدولة بتحسين التغذية وبدأت تفعل تدريجياً، 4 ساعات كل 24 بعدما كانت «صفر تغذية»، ولكنّها رفعت رسوم الاشتراك وبالدولار الأميركي، ما دفع بكثيرين إلى إلغاء ساعة الشركة تجنّباً لفواتير إضافية تثقل كاهلهم إلى جانب رسوم الاشتراك بالمولدات الخاصة، في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة.
يقول «أبو محمد» وهو يهمّ بمغادرة مبنى مؤسسة كهرباء لبنان الجنوبي في صيدا: «لقد قرّرت نزع ساعة الشركة لأنّ لا قدرة لي على تحمّل أعبائها، لقد ضوّ راسي وإلى هنا يكفي، بدنا نأمّن قوت اليوم لنعيش».
في مبنى المؤسسة حيث الحركة عادية، كثر من الناس بدأوا يتوافدون للإستفسار عن الأمر، من الرسم إلى الاستهلاك بشطوره المختلفة، الى التأهيل والضريبة وسواها، الجواب واحد، قيمة الإستهلاك عشرة سنتات تحت 100 كيلوواط، و27 سنتاً فوق ذلك، ما يعني بحساب بسيط لا تقلّ أي فاتورة عن المليون ونصف المليون ليرة لبنانية.
في الأروقة ثمّة مقارنة بين رسوم الشركة والمولّدات، البعض يفضّل بقاء المولدات على أن يضبط الاستهلاك إلى حدّه الاقصى وتبقى أخفّ وطأة، البعض الآخر يرى أنّ الناس لم تكتوِ بعد بنار الفاتورة بإنتظار جبايتها، للمرة الأولى، وسط توقّعات أن يصبح الإقبال أكثر كثافة بعدها.
ويقول أحد العاملين لـ»نداء الوطن» وقد طلب عدم ذكر اسمه: «إنّ الناس تفكّ ساعة الشركة لأسباب مختلفة، أوّلها أنّ كثراً باتوا يملكون الطاقة الشمسية وهم بغنى عنها وعن رسومها واشتراكها، وثانيها البعض سيحاول التعدّي على الكابلات وسرقة التيار غير أنّ الشركة ستقوم بحملات دورية لقمع المخالفات بدعم من القوى الامنية، وثالثها قلة قليلة فعلاً لا تملك المال لدفع أي رسوم جديدة مهما كان ومجبرة على العيش «بلا ضو» على لمبة الشاحن وسواها وتستعين بالجيران للشحن بين الحين والآخر، وأحياناً تستعين بالشموع واللوكس والفانوس أيضاً».
وتقول أمّ علي الأسمر: «لا يصدّق أحد أنّ الخلافات دبّت بيني وبين زوجي وكاد يقع الطلاق بسبب الفقر والحاجة والفاقة، لقد خيّرني بين كهرباء الدولة واشتراك المولد، فاتفقت مع جارتي على الاشتراك بالمولّد لأنّ ساعات التغذية أطول بسعة 5 أمبير، مناصفة 2 أمبير ونصف لكلّ واحدة، وعند الحاجة الى الغسيل تطفئ الأخرى منزلها حتى تنجز المهمّة، لقد وصلنا الى هذا الدرك».
وفكّ ساعة الشركة، أو تقاسم الاشتراك بالمولّد الخاص، ليسا السمتين الوحيدتين اللتين تميّزان حياة اللبنانيين في ظل تردّي الاوضاع المعيشية وطول أمد الأزمة من دون حلول جدّية، فالبعض ألغى الاشتراك من جدول يومياته، ويشحن بطارية عند الجيران أو الاصحاب أو الاهل لإضاءة اللمبات ليلاً.
ويعاني الكثيرون في الشقق السكنية ذات الطوابق العليا من التعب بعدما توقفت المصاعد عن العمل، فرسوم اشتراكاتها باهظة ولا تقلّ عن 200 دولار مقطوعة، ولا يوافق كل السكان على المشاركة في الدفع نتيجة السعي الى التوفير مقابل تأمين لقمة العيش.
وخلال التحرّكات الشعبية التي رافقت اندلاع انتفاضة 17 تشرين العام 2019، كان مبنى مؤسسة كهرباء لبنان الجنوبي قبلة للاحتجاج وتنفيس الغضب وأُقفلت ابوابها أكثر من مرة، وأُشعلت الاطارات بقربها وقطعت الطريق كتعبير عن الاستياء من تدنّي ساعات التغذية، التي تراجعت تدريجياً من 12 ساعة الى 8 الى 4 وساعتين ثم الى صفر تغذية على مدى الأشهر الماضية في العام الماضي.