يناقش مجلس النواب بعد ظهر اليوم رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون الموجّهة إليه حول التدقيق الجنائي بعد انسحاب شركة «ألفاريز إند مارسال» من مهمة التدقيق بحسابات مصرف لبنان الذي رفض حاكمه تزويدها بالمعلومات المطلوبة بذريعة السرية المصرفية. عملياً، لن تؤتي هذه الجلسة أي جديد بعكس اعتقاد بعض الكتل النيابية، وأبرزها تكتل لبنان القوي بأن ثمة أحزاباً ستوضع تحت مجهر الرأي العام وبالتالي ستكون مجبرة على الاختيار ما بين دعم «تمرّد» رياض سلامة، أو الوقوف في صف المواطنين والكشف عن أموالهم المنهوبة.
فمنذ بداية طرح خطة التعافي المالي الحكومية وقوانين الكابيتال كونترول ورفع الحصانات واستعادة الأموال المنهوبة، وصولاً الى تكليف شركة ألفاريز بإجراء التدقيق الجنائي، كان الفرز واقعاً ما بين حزب المصارف الذي لا ينحصر بكتلة نيابية واحدة بل هو عابر للكتل، وبين الحزب المتمسك بالخطة الحكومية وبمحاسبة مصرف لبنان والمصارف. والواقع أن حزب المصارف لم يستح من تأييده علناً أصحاب رأس المال والمتسببين بتبخر الودائع وانهيار الاقتصاد والليرة والقطاع المالي، بل شكل رأس حربة في الدفاع عن مصالح هؤلاء التي تتقاطع مع مصالحه. في رأس اللائحة، تقف كتلة التنمية والتحرير برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري. من مدة ليست ببعيدة، سئل بري عن سلامة، فأتى جوابه بأن البلد بحاجة إلى كل الناس وليس للاستغناء عن الناس. قبلها انبرى بري لتشكيل لجنة تقصي حقائق ضربت أرقام الخطة الحكومية وأطاحت برنامج صندوق النقد على علّاته. وقبل بري وبعده وإلى جانبه يقف تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، والحزب «التقدمي الاشتراكي» برئاسة وليد جنبلاط. والأخيران لا يجدان أي سبب مقنع للتدقيق في مغارة رجلهما/ حليفهما رياض سلامة.
على المقلب الآخر، وقف ثلاثة أطراف:
أولهم، الرئيس عون وجزء من التيار الوطني الحر. الطرفان متمسكان بالتدقيق الجنائي ويعتبرانه معبراً الى الإصلاح الاقتصادي والكشف عن الأموال المحوّلة الى الخارج، وتلك التي نهبت وصرفت على الهندسات المالية ولخدمة النافذين. بعض النواب العونيين غرّدوا خارج هذا السياق وجنّدوا أنفسهم لخدمة سلامة وجمعية المصارف، كإبراهيم كنعان الذي ترأس لجنة تقصي الحقائق التي طيّرت الخطة المالية «الإصلاحية» للحكومة.
ثانيهم، حزب الله الذي لم يقدم مواقف جريئة حول هذه المسألة، قبل كلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم منذ بضعة أيام، لناحية الإصرار على إجراء التدقيق ورفض المبررات التي سيقت لإفشاله، مشيراً الى أن استمرار التعمية على واقع المصرف سيؤدي الى مزيد من التدهور.
ثالثهم، حزب القوات اللبنانية الصامت عن موبقات سلامة منذ وضع سياسته النقدية على المجهر، باستثناء موقفه عام 2017، استعاض عن حياده أخيراً وتفوّق على التيار والحزب، بتقديمه اقتراح قانون عملي لرفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان لمصلحة الشركة المدققة ولمدة عام واحد؛ فيما كان التيار قد أعلن عن إعداده مشروع قانون مماثلاً من دون أن يتقدم به.
اليوم، سيدرس مجلس النواب ورقة عون وكل التوقعات تقول إن الجلسة ستكون عبارة عن «حفلة» مزايدات حول تمسك الجميع بالتدقيق المالي وذهاب البعض الى مزايدة إضافية عبر المناداة بوجوب انسحاب التدقيق على كل الوزارات والإدارات العامة. هذا الطرح أعدّته كتلة التنمية والتحرير ضمن اقتراح قانون من دون أن يشرح وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أسباب عدم امتثال سلامة لطلب شركة التدقيق ولماذا لم يقم بأي إجراء ليضع سلامة أمام واجباته. وبالتالي من المفترض أن يكون ثمة نقاش بين القوى السياسية حول رسالة رئيس الجمهورية وموضوع التدقيق من جهة، ونقاش آخر حول اقتراح القانون المطروح من القوات واقتراح القانون الثاني المطروح من حركة أمل. اللافت هنا أن هذه الجلسة لن تنقل مباشرة على الهواء، ما يفهم أن ثمة محاولة لتحوير الحقائق والكلمات التي ستلقى داخل قاعة الأونيسكو، وإلا ما الداعي لإجراء مماثل؟
سلامة يسوّق لفضيحة تدقيق المصرف المركزي الفرنسي في حسابات مصرف لبنان!
من ناحيته، استبق سلامة كل هذه التطورات وما يمكن أن تؤول إليه الأمور تحت ضغط المحاسبة الشعبية، بترويج أخبار حول بدء المصرف المركزي الفرنسي بالتدقيق بحسابات مصرف لبنان، وسط تجاوب كلّي من سلامة؛ على أن ما يجري محصور بالتدقيق المحاسبي الروتيني لا الجنائي. ويرى البعض أن هذا الإجراء بمثابة تسوية هدفها لفلفة الموضوع وإنهاؤه بأقل الأضرار الممكنة على الحاكم. وإذا ما صحّ ذلك، فتلك فضيحة بكل المعايير بطلها حاكم مصرف لبنان المركزي التابع للدولة والخاضع للقانون العام، الذي تذرع بقانون السرية المصرفية لإخفاء معلومات طالبه بها مجلس الوزراء عبر شركة التدقيق المكلفة من الحكومة، لكنه يُسقط السرية لكشف داتا الدولة والمودعين أمام جهات خارجية متمثلة بالبنك المركزي الفرنسي، ومن دون موافقة الدولة اللبنانية رسمياً!