من دون إعطاء الأولوية للحل الأساسي الشامل، وبتجاهل للعوامل التي تؤدي سريعاً إلى امتصاص الزيادات الموعودة، وبالتالي عودة الاضرابات والاحتجاجات، غرق المسؤولون بعمليات التصحيح الفردية للرواتب والأجور.
وزارة التربية وعدت بدفع نصف أساس الراتب شهرياً لكل أستاذ، ورفع بدل النقل إلى 60 ألف ليرة، وتقديم منحة مالية شهرية للأستاذ والمدرس المتعاقد. كلفة الزيادات الشهرية على الرواتب وبدل النقل لنحو 41458 استاذاً بمتوسط دخل 2 مليون ليرة تبلغ حوالى 43 مليار ليرة أو 515.5 ملياراً سنوياً. وزارة الأشغال وعدت السائقين العموميين بصفيحة بنزين يومياً بسعر 100 ألف ليرة للسيارات العمومية، وصفيحة ونصف بنزين للميني باص، وصفيحتي مازوت للاوتوبيس والشاحنات بسعر 70 ألف ليرة، بالإضافة الى مبلغ 500 ألف ليرة شهرياً بدل صيانة وقطع غيار. كلفة الدعم هذه ستكون باهظة لسببين: الأول، عدم وجود حدود لارتفاع أسعار البنزين، وبلوغ الفرق حالياً نحو 150 ألف ليرة. الثاني، وجود 41 ألف لوحة، تنقسم بين 34 ألف لوحة للسيارات و7000 لوحة للباصات. بدورهم يطالب عمال المستشفيات الحكومية بتصحيح رواتبهم ودرجاتهم، ومنحهم زيادة على الراتب بما يتلاءم مع انخفاض قيمته الشرائية، بسبب تقلب سعر الصرف والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات، وزيادة بدل النقل ليوازي ثلث قيمة ثمن صفيحة البنزين الرسمية وجعله قيمة متغيرة تبعاً لتغيرات سعر الصفيحة. ومن غير المستبعد أو يعدهم وزير الصحة بذلك لكي يفكوا إضرابهم.
في الوقت الذي يتسم فيه المشهد السياسي والأمني بالكثير من الضبابية إن لم نقل السوداوية، يتحرك الدولار صعوداً بسرعة قياسية. فمن بعد انخفاضه قبل شهر إلى حدود 13 ألف ليرة ارتفع اليوم إلى 22 ألفاً، وقد يصل قريباً جداً إلى 30 ألفاً. في المقابل تراجع عدد العمال في القطاع الخاص بظرف أعوام قليلة بنسبة 40 في المئة، منخفضاً من 1.3 مليون عامل في العام 2018، إلى ما بين 600 و700 ألف اليوم. ومع هذا لم يتوان ممثلو العمال في القطاع الخاص بالمطالبة برفع الحد الأدنى إلى 7 ملايين ليرة. وعلى الرغم من تراجع القدرة الشرائية لليرة اللبنانية منذ العام 2019 بنسبة 93 في المئة، وارتفاع الأسعار بنسبة 677 في المئة، فان “الرقم المطروح غير منطقي”، من وجهة نظر عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي د. أنيس بو ذياب، و”العمال لن يستفيدوا إذا قاربنا الموضوع عاطفياً وليس عقلياً. فالنمو المقدر في موازنة 2022 هو بحدود (-10.5%) وأي زيادة في الأجور في ظل هكذا مستويات سلبية قد تكون قاتلة”.
التسليم جدلاً بمعرفة المسؤولين بحقائق الأرقام والوقائع الاقتصادية، والتكهن بعلمهم بحتمية فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تأخذنا إلى السؤال البديهي: من أين ستموّل الزيادات؟ والجواب بسيط، “من حقوق السحب الخاصة SDR التي حصل عليها لبنان بقيمة 1139 مليون دولار. وبما يتناقض تماماً مع الشفافية المطلقة واستعمال المبالغ لخدمة الاقتصاد كما وعد رئيس الحكومة عند تسلم الأموال. فتوزيعها كـ”رشاوى” إنتخابية قبل الاستحقاق النيابي المفترض حصولها بعد أشهر قليلة، لا يخدم الاقتصاد”، برأي بو ذياب. وعدا عن “تبخرها” بسرعة قياسية، فهي ستنعكس سلباً على الاقتصاد المأزوم.