صفحة جديدة من كتاب الإنهيار ستفتح ابتداء من مطلع هذا الأسبوع. عنوانها: “التضخم المفرط”، و”مذيّلة” بتوقيع التعميم 158، حيث “من الملاحظ أن سعر الصرف يرتفع بمعدلات كبيرة في المهلة الأخيرة لاستحقاق تعميم مصرف لبنان”، يقول رئيس مجموعة FFA Private Bank جان رياشي. فـ”فشل البنوك بالضغط على تعديل التعميم 158، واصرار “المركزي” على بدء كل المصارف من دون استثناء التسديد لغاية 400 دولار شهرياً للمودعين في الأول من تموز، قد يكون أدخل بعض المصارف طالباً جدياً على الدولار في السوق الموازية”. ما يعزز هذا الإنطباع، من وجهة نظر رياشي، هو “وجود مصارف لا تملك السيولة بالعملة الأجنبية، وانحصار همّ “المركزي” بتطبيق التعميمين 158، و154 اللذين يقضيان برفع السيولة بالعملة الأجنبية في المصارف الأجنبية بنسبة 3 في المئة، بعيداً من كل المعايير المحاسبية والمصرفية. مع العلم أن المصرف الذي يشتري الدولار بسعر السوق لتلبية متطلبات التعميمين أو واحد منهما، يحقق خسائر هائلة. ذلك أن الليرة بالنسبة له ما زالت تحتسب على 1515. ولكن مع وجود معيار واحد لدى “المركزي”، وتغاضيه عن التدقيق والمحاسبة بالملاءة المالية للمصارف، يشجع على شراء الدولار من السوق مهما بلغت الخسائر المحققة. فالمهم بالنسبة للمصارف الإستمرار وعدم الخروج من السوق الذي يفرضه عدم تطبيق أيّ من التعميمين.
كان من المفترض ألا تتأثر أسعار مختلف السلع والخدمات في الأسواق الداخلية مع تحليق سعر الدولار، حتى لو وصل إلى 18 ألف ليرة. ذلك أن منصة صيرفة وجدت لتؤمّن للتجار دولار الإستيراد على سعر 12 ألف ليرة. ولكن العكس هو الذي يحصل، فمعظم التجار يسعّرون بضائعهم بناء على سعر دولار السوق، والسبب هو أن المنصة “شكل أكثر من فعل. وهي لا تغطي أكثر من 5 في المئة من حاجة التاجر”، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، فـ”آليات عملها البطيئة والمقيدة للتجارة دفعت الكثير من المستوردين إلى الإستغناء عنها والعودة إلى السوق الموازية لشراء الدولار وتأمين ثمن البضائع.
حصة مستوردي المواد الغذائية وحدهم منها تبلغ حوالى 75 مليون دولار. “ألم يكن من الأفضل أن يدفع المركزي فواتير الدعم لبضائع استوردت ووزعت في الأسواق بأسعارها المدعومة، من أن يخلق آليات تزيد الأمور تعقيداً”، يسأل بحصلي، ليجيب بوصف ما يحدث بـ”الهرطقة، التي تفقد الثقة بالنظام والآليات المتبعة وتزيد الأمور ضبابية، خصوصاً لجهة صعوبة ضبط إمكانية الإستيراد على سعر 12 ألفاً والبيع بحسب سعر السوق”. وبحسب بحصلي فانه على عكس آلية الدعم التي كانت تتطلب تقديم ملفات بالكلفة إلى وزارة الإقتصاد والإلتزام بسعر محدد وتقديم لائحة بالمستفيدين، فانه لا آلية للمراقبة على صيرفة، والمصارف التجارية المحدودة الملتزمة بها تضع شروطها الخاصة، لانه ليس هناك من آلية واضحة من مصرف لبنان أو المالية. والخشية، بحسب بحصلي، هي بتكرار المعاناة مع الدعم، حيث يعقد التجار الإتفاقيات ويستوردون من دون أن يسدد “المركزي” التكاليف. هذا، وكان من المفروض ألا يقتصر عمل “المنصة” على المصارف، إنما أن يشمل الصرافين أيضاً، وهذا ما لم يحدث. ومن وجهة نظر بحصلي فان احتمالات التلاعب بالمنصة كبيرة واستفادة التجارة منها ضئيلة جداً.
في المحصلة فأن ما سيناله جزء من المودعين بناء على التعميم 158، سيدفعونه أضعافاً مضاعفة، هم وعموم المواطنين، نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار. وهذا ما يؤكد أن كل المحاولات الترقيعية تقود البلد إلى الخراب، ولا خلاص حقيقياً إلا بالحل الشامل تحت مظلة صندوق النقد الدولي والإصلاحات الحقيقية.