“التكاتك” تبسط نفوذها على قطاع النقل… والسيّارات العموميّة تكاد أن تختفي!

يشهد النقل العام فوضى عارمة، في ظل غياب من يحاسب او يراقب ما يحدث على الأرض من الوزارات والنقابات التي تعنى بهذا القطاع. كيفما التفتّ في منطقة البقاع الأوسط والمناطق المجاورة، لا بد وان تصادف عربات من «التكاتك» مصطفّة بجانب بعضها بعضا، ينقضّ مالكوها على أي مواطن بعروض لم تعد اوفر او اقل، بل باتت أغلى في اغلب الأحيان. وليطبق أصحاب هذه الوسيلة المثل القائل «تمسكنوا ليتمكّنوا»، اي عندما أصبحوا كجيش باتوا يستحكمون بالمواطنين والتعرفة التي يطلبونها خيالية.

بالتــوازي، «التوك توك» وجد في هذه المرحلة ليحاكي الطبقات الفقيرة او المتعففة، لعدم تمكّنها تحمّل بدلات التنقل اليومية الباهظة، وباعتباره وسيلة نقل اقل تكلفة، فلا يحتاج الى صرف الكثير من المحروقات الخيالية الأسعار. والاهم ان الجميع يظنه بديلا ممتازا في ظل الازمات الاقتصادية والمعيشية وحتى الحياتية التي فرضته بقوة، ليتحول الى مصدر رزق قائم بحد ذاته.

في البقاع التكاتك أكثر من السيارات

ان غزوة «التكاتك» للمناطق البقاعية، امتدت من شتورا الى زحلة، قب الياس، المرج وبرالياس، وصولا الى المصنع ومداخل الفاعور ومجدل عنجر والروضة، وهي متوافرة بأعداد تكاد تفوق السيارات العمومية وحتى الخصوصية، بما فيها «فانات» النقل العام.

مصدر من النافعة أخبر «الديار» ان أحد الأشخاص الميسورين يشتري كميات كبيرة من «التكاتك»، ويوزعها على مواطنين اجانب يعملون لحسابه «باليومية»، وان معظمها غير شرعي وليس مسجلاّ، وبالتالي وضعها ليس قانونيا ان لجهة استغلالها في نقل الركاب، كونها كناية عن دراجة نارية، او لفقدانها الامان.

وفي هذا السياق، مصدر بلدي بقاعي كشف «ان أرامل بتْن يشترينه ويوظّفْنَه على خط شتورا-المصنع، نظرا الى الغلة الوفيرة التي يمكن ان يحققها التوك توك في اليوم الواحد».

التعرفة

أصحاب «التكاتك» تفرّدوا بوضع تعرفة خاصة بهم، وباتوا يتحكمون بالمواطن في ظل غياب باصات النقل العام او «السرفيس» الشرعي، بسبب غلاء صفيحة البنزين لتصبح على الشكل الاتي: من ساحة شتورا وحتى برالياس 100 ألف ليرة، ومنها الى المناطق المجاورة أي المرج والمصنع ب 250 ألف ليرة. بالإشارة الى ان «التكاتك» أصبحت وسيلة رسمية غير شرعية تجوب الشوارع والأوتوسترادات، واصحابها غير مكترثين لسلامة الركّاب.

وابعد من ذلك، يتم نقل الطلاب من والى الجامعة اللبنانية في زحلة، بحسب الطالبة سنا التي علّلت لـ «الديار» سبب ركوبها فيه، «مضطرة ان اخذ «توك توك» الى جامعتي، لأنه لا يوجد باص او سرفيس، وان وُجد فانا مرغمة على الانتظار ليعبّئ السائق طلبا كاملا، الامر الذي يدفعني الى المخاطرة»، وتشير الى ان تعرفة «التوك توك» من شتورا وحتى الجامعة ب 125 ألف ليرة، في حين ان الباص يتقاضى 30 او 50 الفا».

تابعت: «منذ بضعة شهور، وقع حادث سير على طريق الفاعور ما بين «توك توك» وسيارة، ذهب ضحيته 7 اشخاص، مشيرة الى ان أصحاب هذه الوسيلة يقودون بتهور، ويحاولون تخطي السيارات الكبيرة وكأنه سيارة جيب».

الاعداد الى ارتفاع

محمد العليّان (40 عاما) قال لـ «الديار»: «التوك توك» وفّر لي العمل، وبات خط الدفاع المعيشي لي ولعائلتي، استبدلتُ سيارتي به لأنني لم اعد اقوى على تأمين البنزين، والمشوار من غزة حتى شتورا مكلف ولا يوجد ركاب على الطريق، وبعضهم بات ينتظر «التكاتك» لاعتقادهم انه اوفر، الا ان الامر عكس ذلك، وقد يكون أدنى ب 20 ألف ليرة كون السيارة تصرف محروقات أكثر مقارنه به، ولفت خالد الى انه يملأ خزان «التوك توك» بالوقود بـ 350 الفا، وهذا هو الفارق ما بين الأخير بالنسبة لمصروف السيارات العمومية.

وعن أسباب ارتفاع التعرفة، أجاب إبراهيم وهو صاحب «توك توك»، ان استمرار تدهور قيمة الليرة اللبنانية، مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء جعلنا نرفع التعرفة، وأؤكد انها عالية ومرغمين على السباحة مع التيار، ونعمد الى ذلك لكيلا تحدث المضاربات التي تؤدي الى إشكالات داخل قطاع التكاتك.

أما عن صيانته، فقال إبراهيم: «التوك توك» يحتاج الى الوقاية مرة واحدة كل عام، بما في ذلك قطاع الغيار، اما تلك التي تعمل على الكهرباء، فيجب التنبّه الى البطارية.

الحياة أصبحت ثقيلة

الوضع المعيشي في لبنان بات صعبا جدا، قالها بغضب أحد الركاب ويدعى بسام، « كنا نعتبر ان التوك توك لغير المقتدرين، الا انه لم يعد كذلك، فكل شيء يطير مع الدولار بصرف النظر عمّا إذا كان خاضعا للدولرة ام لا، فسائقو التكاتك باتوا يفصّلون ويخيطون بالمقاس الذي يتناسب وربحهم، والدولة مختفية كليا، ويتم تغيير التعرفة بين لحظة وأخرى وهم يتمادون في ظل غياب من يحاسب او يراقب». ولفت الى ان «اشخاص كثر يذهبون بعد انتهاء عملهم سيرا على الاقدام، لعدم قدرتهم على تحمل نفقات بدل النقل».

وأشار أحمد في حديث لـ «الديار»، ان منطقة شتورا تعتبر بوابة البقاع الأوسط وقلبه النابض، وهذه النقطة كانت لا تعرف الهدوء فهي تضم اهم الصرافين، ومحلات بيع الذهب والالماس، ونقطة انطلاق الى بيروت والمناطق المجاورة. الا ان الحركة بدأت تتراجع والمواطنين يلجؤون الى مستويات معيشية أدنى بهدف الاستمرار والبقاء على قيد الحياة، في ظل الارتفاع الهستيري للدولار ودولرة كافة القطاعات، بدءا بالمواد الغذائية وصولا الى تعرفة النقل مرورا بأسعار الوقود».

جنون الدولار حجة!

الارتفاع الهستيري للأسعار، لم يقتصر على تعرفة «التوك توك»، بل شمل «الفانات» الكبيرة التي تنقل الركاب من منطقة شتورا الى بيروت، وبدل الراكب أصبح بـ 300 ألف ليرة ، بعد ان كان مؤخرا ب 150 الفاً.

في المحصّلة، «التوك توك» الذي يجتاح شوارع البقاع يبسط نفوذه على القطاع بما في ذلك الوسائل الشرعية، فلا يمكن انكار انه وسيلة نقل غير شرعية او آمنة، الا ان المواطن بات يبحث عن كل ما يوفر عليه أمواله، في ظل المتطلبات الكبيرة نسبة الى العملة الوطنية.

وبحسب خالد وهو صاحب باص أوضح لـ «الديار» ان المواطن بات يفتش على وسائل توفيرية، كما يرفض الانتظار طويلا بهدف تأمين بعض الركّاب داخل المركبة، لذا استبدلت باصي بـ «التوك توك»، لافتا الى ان سائقيه يقفون لساعات دون ملل، فليس لديهم ما يتكلفون عليه او يخسرونه، وان اقلّوا راكبا فلا مشكلة لديهم، فبعضها يعمل على الكهرباء، والآخر لا يحتاج الى أموال طائلة لتعبئة المحرّك بالبنزين، لذا يغادر أصحاب «الفانات» او يعملون لأيام في الأسبوع، بعد ان تجاوز سعر صفيحة البنزين مليوني ليرة.

وأشار خالد الى ان « العشوائية في التعرفة التي يضعها كل سائق والتفرّد بالقرارات، جعلا الناس تنفر منا، ولا بد من الاعتراف ان غياب التنظيم من قبل المسؤولين عن هذا القطاع اوصلنا الى الحضيض، وفسح المجال امام وسائل النقل غير الشرعية، والتي ليست اقل ولكنها قادرة على الصمود».

«التكاتك» تهرّب الممنوعات

مصدر مطلع على آليات شراء «التكاتك» أخبر «الديار» ان الوضع سيصبح خطرا إذا بقيت الدولة تتجاهل ما يحدث في قطاع النقل العام. فهذه الوسيلة تُستغل في تهريب ونقل الأسلحة، وحتى في بيع وحمل المخدرات، وهذا يمكن اعتباره اخبارا للأجهزة الأمنية الغائبة عن مراقبة قطاع «التكاتك»، مما يسهّل ويُيسّر عمل فئة تستغل «التوك توك» للقيام بأعمال غير شرعية ومشبوهة وتهدد الامن العام.

في النهاية، ربما لهذه العربة الصغيرة، التي هي دراجة نارية بكرسي يســع 3 اشخاص من إيجابيات، الا انها تعدّ رمزا لانتشار الفقر او بالأصح هي صورة لأحد مظاهر التدهور المعيشي والاقتصادي، كما ان الفقر واضح أكثر من أي وقت مضى، بعد ان اختفت السيارات من الشوارع، وحلت مكانها عربات «التكاتك».

مصدرالديار - ندى عبد الرزاق
المادة السابقةاتجّاه لتعديل سعر صرف الودائع المصرفية؟!
المقالة القادمةانخفاض سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 82000 ليرة والمازوت 73000 ليرة والغاز 52000 ليرة