التلاعب بالأسعار.. فوارق هائلة بالدولار وبالليرة

لم تنته أزمة تلاعب التجار بأسعار السلع، ولن تنتهي. كما لم تمنع عملية التسعير بالدولار الاستمرار بعملية التلاعب بمختلف الوسائل. وليست تأكيدات وزير الاقتصاد بمراقبة الأسواق وآلية التسعير وتهديداته بالمحاسبة.. سوى زوبعة في فنجان، ما لبثت أن انتهت فور دخول قرار التسعير بالدولار حيز التنفيذ.

ولا تستلزم عملية التحقق من التلاعب بالأسعار واستغلال المواطنين سوى القيام بجولة على عدد من السوبرماركت والمؤسسات التجارية، ليثبت بذلك زيف ادعاءات الوزير بأن التسعير بالدولار سيحمي المواطنين من التلاعب. ولا تقتصر عمليات التلاعب بالأسعار وبمعدل سعر صرف الدولار على السوبرماركت والمحال التجارية فحسب، بل تشمل أيضاً المطاعم والمقاهي والملاهي والمستشفيات والصيدليات وغيرها.

نقص “فكة” الدولار والرد بالليرة

تتمسك كافة المؤسسات التجارية وغير التجارية بمسألة التسعير بالدولار، وتلزم المستهلكين بالسداد بالدولار الفريش أو الليرة بما يوازي سعر صرف الدولار المحدد من قبلها، فيما تتذرّع غالبيتها بعدم وجود قطع نقدية ورقية من الدولار من فئات 1 و5 و10 و20 دولاراً، أو ما يعرف بالـ”فكّة” (أو “الفراطة”) لإتمام عملية المحاسبة لكل فاتورة.

تتذرّع الكثير من المؤسسات، لاسيما منها التي تتعامل مع المئات من الزبائن يومياً، بعدم امتلاكها للفئات الدولارية الصغيرة، بالنظر إلى ارتفاع عدد الفواتير لديها ودولرة أسعارها. وعليه، يصبح من الطبيعي أن تعيد المؤسسة أو السوبرماركت “الفكّة” للزبون بالليرة اللبنانية. ولا ضير في ذلك، شرط أن يتم التعامل وفق سعر صرف محدد للدولار بالشراء والمبيع.

لكن ما يحصل فعلياً في المؤسسات التجارية هو أن الدفع من قبل الزبائن يتم بالدولار، ويقابله رد بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف للدولار يقل كثيراً عما هو رائج في السوق السوداء، ويقل أكثر عن سعر الصرف المعتمد من قبل المؤسسة نفسها في عملية تحصيل الفواتير. بمعنى آخر تقوم العديد من المؤسسات بتسعير الدولار لتحصيل فواتيرها بما يفوق السعر في السوق السوداء، في مقابل إعادة فارق الفاتورة بالليرة وفق سعر دولار يقل كثيراً عن السوق السوداء.

ففي مجمع ABC على سبيل المثال، تختلف آلية تسعير الدولار بين متجر وآخر، إلا أن المتجر الخاص التابع لـABC يترك حرية اختيار عملة الدفع للزبون ويسعّر الدولار بحسب السعر الرائج في السوق السوداء، أما سعّر الدولار المعتمد لرد ما تبقى للزبائن بالليرة اللبنانية فيتم تسعيره بما يقل عن سعر السوق بنحو 15000 ليرة للدولار الواحد. فيعتمد سعر 65000 ليرة للدولار، في حين كان يبلغ متوسط سعر الدولار في السوق السوداء 80000 ليرة.

وليس الـABC وحده من يعتمد هذا الأسلوب. إذ تعتمده غالبية المقاهي والمطاعم، ومنها مقهى “غلونجي” في بيروت، الذي يلزم الزبائن بالدفع بالدولار الفريش أو بالليرة بسعر صرف يفوق السوق كثيراً، في حين يلتزم بالرد للزبون بالليرة حصراً وبسعر صرف للدولار يقل 10000 ليرة عن السعر الرائج في السوق.

ولا تقتصر الممارسات الجشعة على المؤسسات التجارية فقط. فتلك الممارسات تقوم بها أيضاً المؤسسات الاستشفائية التي تضع نفسها في خانة المؤسسات الإنسانية، ومنها مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت على سبيل المثال، فتسعّر الدولار بما يزيد عن السعر الرائج بالسوق بنحو 10000 ليرة، كما تتقاضى فواتيرها بالدولار وتعيد الباقي بالليرة كما المؤسسات التجارية.

تلاعب بالاسعار تماشياً مع الدولار

أما وسيلة الاستغلال الأخرى فلا تقل إجراماً وبطشاً من الأولى. فعدد كبير من السوبرماركت ترفع تسعيرة منتجاتها بالدولار بما يتماشى مع تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. فكلما تراجع سعر الصرف تزيد السوبرماركت أسعار السلع بالدولار، وذلك خلال 24 ساعة فقط، في محاولة لتحصيل الهامش الأكبر من الأرباح.

وعن خداع التجار بالتسعير، عمدت العديد من السوبرماركت إلى رفع أسعارها المحددة بالدولار كلما تراجع سعر الصرف في السوق السوداء. ففي سوبر ماركت happy على سبيل المثال، تم تسعير sparkling water بـ1.25 دولار حين بلغ سعر صرف الدولار 90 ألف ليرة، ثم ارتفع سعر المنتج نفسه بعد أقل من 48 ساعة إلى 1.70 دولار بعد تراجع سعر الدولار إلى 80 ألف ليرة الأسبوع الفائت. ومثله عشرات المتاجر، تغيّر الاسعار عشوائياً من دون حسيب او رقيب.

أما ما يشير إلى مزاجية التسعير لدى التجار، ويؤكد تسلمهم عملية إدارة الأسواق، فهي الفوارق الهائلة بالأسعار بين المؤسسات التجارية للمنتجات نفسها. وتؤكد الفوارق الكبيرة الغياب التام للرقابة. فعلبة صلصة البندورة golden على سبيل المثال، تُباع في سوبرماركت Happy بـ82750 ليرة، وفي سوبرماركت الديوان في بيروت بـ165000 ليرة، وفي COOP بـ134000 ليرة، علماً أن هذه الأسعار تم رصدها في الوقت نفسه.

مثال آخر يؤكد أن التسعير في السوبرماركت يخضع لمزاجية أصحابها، فيبلغ سعر عبوة Prime المخصص للغسيل 207000 ليرة في Happy، أما في COOP فيبلغ سعرها 137000 ليرة. أما لزيت المازولا فحكايات تُروى بين الزبائن، ويبلغ سعر عبوة زيت المازولا 1.5 ليتر 5.79 دولار في Happy، وفي 426000Champs d’or ليرة وفي الـCOOP يصل إلى 299000 ليرة وفي الديوان 359000 ليرة. واللافت أكثر أن الأسعار تضاعفت عندما انتقلت من التسعير بالليرة إلى الدولار، ففي سوبر ماركت Happy كان سعر العبوة نفسها 277000 ليرة قبل أن تصبح 5.79 دولار. أي أنها ارتفعت بنحو الضعف.

فارق الأسعار بين جبنة الموزاريلا Puck فيHappy وسوبرماركت العاملية أكثر من 400 ألف ليرة بالـ900 غرام. والفارق نفسه بين Barilla tri color لدى happy والـChamps d’or. ففي الأولى يبلغ 184000 ليرة وفي الثانية 134000 ليرة.

الأمثلة كثيرة لعشوائية الأسعار ولجشع التجار وتسلّطهم على الأسواق، في ظل غياب تام لوزارة الاقتصاد أو أي جهات رقابية. أما حث الوزارة للمستهلكين للتقدم بشكاوى لديها بحق التجار المخالفين، فيندرج في خانة “استغفال” المستهلكين والتغاضي عن التجار. إذ أن ضبط المخالفات لا يستلزم أكثر من جولة سريعة على السوبرماركت والمتاجر، التي بمعظمها تتلاعب بالأسعار بشكل علني.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةحقائق الفقر في لبنان: تضخّم المعدومين وتبخّر الطبقة الوسطى
المقالة القادمةنصار “مهندس الإنجازات” يُعيد لبنان إلى خارطة السياحة العربية!