عندما وقع الانهيار المالي والاقتصادي عام 2019 تعرض اللبنانيون، أو نسبة كبيرة منهم، لأزمة نفسية جرّاء تبدّل حياتهم ووسائل عيشهم، ونقص مقدار الرفاهية التي يعيشونها في كل تفاصيل يومياتهم، من الطعام والشراب إلى شراء الكماليات، وصولاً إلى السفر والاستجمام.. لذلك كان لا بد من البحث عن وسائل صمود تمكنهم من الاستمرار. وهذا ما دفع البعض للجوء إلى “التوك توك” كأحد الوسائل التي تُخفّف وقع الانهيار.
تجربة جيدة بسعر مقبول
يقول علي، وهو شاب من بلدة جنوبية، أنه مع بداية الأزمة الاقتصادية شعر بهمّ استهلاك السيارة بسبب غلاء قطع الغيار، وكان ذلك قبل الارتفاع القياسي بأسعار المحروقات. لذلك كان يفكر بشراء دراجة نارية، إلا أنه عدل عن الفكرة بسبب حاجته لآلية أكبر تتسع لأكثر من شخصين، فوقع خياره على “التوك توك”.
يُشير علي في حديث لـ”المدن” إلى أن “التوك توك” وسيلة نقل جيدة وآمنة، فهو يستخدمها في 80 بالمئة من تنقلاته لشراء حاجياته، كما استخدمها في فترة من الفترات “للنقل العام”، وثمنها جديدة من الشركة كان أقل من ثلاثة آلاف دولار أميركي، فهو اشتراها بمبلغ 2850 دولار، من شركة معروفة تتبع لشركة “vespa” الإيطالية، إنما تجميع التوك توك يحصل في الهند.
في هذا السياق، فإن الكثير من هذه الدراجات النارية يتم تجميعها في لبنان، حسب معلومات “المدن”. إذ أن قطعها المصنوعة في الهند تُستورد إلى لبنان ويتم تجميعها قبل بيعها، علماً أن قطع الغيار متوافرة لدى مراكز البيع نفسها.
“دراجة” بأربعة ركّاب
يعمل “التوك توك” على البنزين، وهو قادر على السير لمسافة 500 كيلومتر تقريباً بصفيحة بنزين واحدة في القرى الجبلية، وحوالى 600 كيلومتراً أو اكثر في المدن، وهو ما يجعله أوفر بمرتين على الأقل من أكثر السيارات وفرة، ولو كان استخدامه في فصل الشتاء مزعجاً بعض الشيء، في أوقات محددة. كذلك يُعتبر التوك توك “دراجة نارية” لكن بأربعة ركاب، فهو في الدوائر الرسمية يُعامل معاملة الدراجة النارية، عند التسجيل، وعند طلب الحصول على رخصة لقيادته، وهذا ما يسهّل أيضاً عملية الحصول عليه، إنما يخلق مشكلة لمن يستخدمه في سبيل العمل.
أعمال قانونية وغير قانونية
حسب “الدولية للمعلومات” فقد شهد العام 2021 استيراد 29,102 دراجة نارية، وارتفع العدد إلى 47,077 دراجة حتى صيف 2022، ومن ضمن هذه الدراجات النارية “التوك توك” التي تُستعمل بشكل مخالف للقانون بنقل الركاب. فرخصة تسجيل الدراجة لا تسمح باستعمالها للنقل العام، وهي الوظيفة التي يقوم بها محمد في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ينقل محمد الطلاب صباحاً إلى المدرسة، ثم يعمل في نقل الركاب وتوصيل الطلبات. وحسب ما يقول لـ”المدن”: “عملت سابقاً على التوك توك الذي يشبه البيك آب، كبائع خضار، لا أحتاج إلى استئجار مكان ولا أضطر لجرّ عربة الخضار طوال اليوم ولا أتقيّد بمكان بيع واحد، وبعد فترة امتلكت توك توك آخر آعمل عليه اليوم، من دون تسجيله”.
لا يُبالي محمد بالقانون، لأن الدولة لا تؤمّن له شيئاً –حسب قوله- وعليه أن يبحث عن قوت عائلته في كل مكان، وبأي وسيلة لا تتضمن “أكل مال حرام”. وهو يعتبر أن التوك توك خاصته كأغلبية الدراجات النارية غير المسجلة.
وحسب “الدولية للمعلومات” فإن العدد الإجمالي للدراجات المسجلة في لبنان “يبلغ نحو 289 ألف دراجة، وربما يبلغ العدد غير المسجل وغير المؤكد نحو 300 ألف”، وهذا ما نراه كل يوم في شوارع المدن، ودخول التوك توك يجعل الأجهزة المعنية أمام تحدّي تنظيم هذه الآليات. وهي بكل الأحوال عامل إضافي في مفاقمة فوضى السير العارمة.
دليل توفير أم من مظاهر فقر؟
شهد الإقبال على التوك توك في البقاع والشمال ارتفاعاً فاق المئة بالمئة في العامين الماضيين، فهل هذا دليل توفير أم مظهر من مظاهر فقر البلد؟
إن ظاهرة انتشار التوك توك تعود بالدرجة الأولى إلى الانهيار الاقتصادي الذي ضرب لبنان، وبالتالي هي نتيجة الفقر والحاجة، لا نتاج تفكير معمّق بكيفية تقليص استخدام السيارات للحفاظ على البيئة مثلاً، كذلك فمجرد النظر إلى المجتمعات التي تستعمل التوك توك بكثرة كالعراق وسوريا ومصر والهند وأندونيسيا وغيرها، فكلها مجتمعات فقيرة، التحق بها المجتمع اللبناني مؤخراً، مع العلم أن “التوك توك” الذي قد يكون نعمة لبعض العائلات، قد يتحول إلى نقمة بسبب هشاشة تركيبته وخطره بحال التهور باستخدامه.