في خطوة تؤكد دور تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في الدمج بين العالمين المادي والرقمي، استضافت القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2020 حوارات افتراضية جمعت عددا من قادة الدول وكبار قادة القطاع الصناعي لمناقشة أهم القضايا التي يواجهها القطاع الصناعي العالمي والمرتبطة بهذه الثورة، وما يمكن لها أن تقدمه من فرص لاسترجاع حياتنا الاقتصادية والاجتماعية.
على مدى يومين انعقدت فعاليات الدورة الثالثة الافتراضية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع، بمشاركة 100 متحدث من قادة القطاع الصناعي من القطاعين العام والخاص، شاركوا في أكثر من 20 جلسة افتراضية لمناقشة دور توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في بناء سلاسل قيمة عالمية أكثر مرونة ومساهمة في تحقيق التعافي والازدهار في مرحلة ما بعد الوباء.
واتفق رؤساء دول شاركوا في القمة على ضرورة التكاتف لدعم الثورة الصناعية الرابعة والابتكار والتكنولوجيا في دعم الصناعة والاقتصاد أمام تداعيات جائحة كورونا، والقضاء على ظاهرة سيطرة بعض الدول على الإنتاج العالمي.
وسلط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في الكلمة التي ألقاها في حفل افتتاح الدورة الثالثة الافتراضية للقمة الضوء على المطالبة بتعزيز توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لتسريع عملية التعافي من تداعيات وباء كورونا.
مستقبل جديد
ركز الأمين العالم للأمم المتحدة في كلمته على التحديات العديدة التي صاحبت الوباء، والدور الذي يمكن أن يلعبه التحول الرقمي والطاقة النظيفة في صياغة مستقبل جديد أكثر شمولية واستدامة وازدهارًا.
وقال “يمكن إدراك مدى اعتماد العالم على المنتجات الصناعية من خلال الاضطراب الذي تسبب به نقص الإمدادات الحيوية وتعطل سلاسل القيمة العالمية جراء الوباء.
ورغم ما ترتب عن الوباء من آثار سلبية عديدة، إلا أنه ساهم في إحداث نقلة نوعية في التحول الرقمي في قطاعات التعليم والعمل والتواصل. وبفضل التكنولوجيا تمكنا من مواصلة أعمالنا، وتحسين الكفاءة وتعزيز السلامة في القطاع الصناعي، وتمكين البنية التحتية الحيوية.
ويجب أن نحرص على ألا تساهم التقنيات الرقمية في رفع معدلات البطالة بين النساء أو أن تفاقم الفجوة الاقتصادية بين الدول”.
من جانبه أكد الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، الذي شارك في القمة، أنه كان من الممكن أن تنخفض الخسائر في الأرواح التي فقدها العالم بسبب وباء كورونا بشكل كبير لو لم تهيمن مجموعة من الدول على الإنتاج العالمي.
ودعا بولسونارو إلى إجراء إصلاحات جذرية في النظام العالمي وتعزيز التوجّه نحو دمج عدد أكبر من الدول في سلاسل القيمة العالمية.
وقال بولسونارو “سنعمل مع شركائنا لتحقيق المزيد من التكاتف والتعاون لتصحيح المسار وللتخفيف من تلك الاختلالات في الإنتاج العالمي التي أبرزها الوباء وجعلها أكثر وضوحاً”.
وشارك الرئيس بولسونارو إلى جانب كل من الدكتور أرمين سركيسيان، رئيس أرمينيا، والأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية، وسامديتشأكا موها سينا هون سين، رئيس وزراء كمبوديا، من خلال كلمات افتتاحية سلطت الضوء على “استرجاع الازدهار العالمي ما بعد الوباء”.
وحذر الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، من توجّه الدول نحو الانعزالية وسياسة النأي بالنفس في مواجهة الأزمة، داعيًا إلى المزيد من التضامن والتكاتف وإلى مرحلة جديدة من التعاون العالمي للتصدي للتحديات الناتجة عن الوباء.
وقال “بدلاً من التخلي عن نظامنا العالمي المبني على التعاون والتعددية، يؤمن الأردن بأنّ الطريق إلى الأمام مبنيٌّ على التكامل العالمي، أي بإعادة ضبط العولمة للبناء على مواطن القوة والموارد التي يمتلكها كلٌّ منا، لمنفعة الجميع، ممّا يؤدي إلى تآزرٍ وازدهارٍ عالميين”.
وأضاف “بدلاً من الوقوع في فخ القوميات الضيّقة والانقسام، بإمكاننا أن نختار التضامن العالمي وإعادة بناء الاقتصاد”.
ومن جانبه، قال أرمين سركيسيان، رئيس أرمينيا، إن تركيزه، كقائد دولة صغيرة، كان منصبًّاً على إعداد شعبه وتحضيره للمستقبل عبر بناء نظام تعليمي متقدم وعالمي المستوى يركز بوجه خاص على العلوم والتكنولوجيا.
وقال هون سين، رئيس الوزراء الكمبودي، إن الوباء أوجدَ فرصةً لتسريع التحول الرقمي وتعزيز التعاون الإقليمي بين دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان).
وأوضح “في حين أن الوباء أثر بشدة على الصحة العامة والتجارة الدولية والاستثمار وسلاسل القيمة العالمية والازدهار على مستوى العالم، إلا أن الأزمة عززت قدرتنا على تسريع تبني أسس ومفاهيم الثورة الصناعية الرابعة”.
تنويع الاقتصاد
وعقدت الدورة الثالثة الافتراضية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع، بمبادرة مشتركة بين الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، يومي 4 و5 سبتمبر 2020، تحت عنوان “العولمة المحلية: نحو سلاسل قيمة عالمية أكثر استدامة وشمولية”.
وتضمنت القمة 4 مجموعات عمل تناولت دور المرأة في القطاع الصناعي، والسلامة الصناعية والأمن، ومؤشرات الأداء الصناعي التي تقوم بقياس أداء الشركات والحكومات بناءً على التزامها بالبيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة، والقيادات المستقبلية للقطاع الصناعي.
وألقى بدر سليم سلطان العلماء، رئيس اللجنة التنظيمية للقمة، كلمة دعا فيها إلى التعاون وإلى ضرورة تركيز الدول على الفرص التي أتاحها الوباء لإعادة تقييم أولوياته قائلا “كانت الأزمة بمثابة تذكير ضروري بأهمية تنمية الأسواق المحلية والإقليمية، وتأكيدًا على الحاجة إلى سلاسل قيمة عالمية أكثر فعالية ومرونة في التعامل مع مختلف الظروف”.
ومن جانبه، أكد الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، أن دولة الإمارات إدراكاً منها لأهمية دور التكنولوجيا في تعزيز نمو قطاع الصناعة، أسست وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة تشمل مهامها الأساسية تنمية الصناعات الوطنية وزيادة المرونة والتنافسية وتعزيز القيمة المحلية المضافة والمساهمة في تسريع التنوع الاقتصادي.
وتناول الجابر انعكاسات الجائحة على سلاسل التوريد العالمية، مشيراً إلى أهمية دور التقنيات المتقدمة في حماية وتعزيز سلاسل التوريد، مبيناً أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في إحداث نقلة نوعية كبيرة في أداء قطاعات الصناعة والتصنيع، كما يوفر توظيف “البيانات الضخمة” رؤية دقيقة تتيح اتخاذ قرارات فورية لمعالجة الثغرات، في حين تسهم تقنية “تعلم الآلة” في تسريع نقل المعارف والخبرات الضرورية بين مختلف القطاعات.
واختتم كلمته بتوجيه دعوة مفتوحة لتعزيز التعاون سعياً لتحقيق الأهداف المرجوة، وفي دفع عجلة التقدم والتطور في العالم بأكمله.
وأضاف “لن تؤثر الثورة الصناعية الرابعة على المصانع فحسب، بل ستؤثر على المجتمع أيضًا.
ومن المؤكد أنه لن تستطيع دولة أو اقتصاد معين التحكم بمستقبل هذه الثورة بشكل فردي”.
سياسات حمائية
وفي جلسة منفصلة، أكد لي يونغ، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، أن تراجع الاستثمار وتنامي السياسات الحمائية يهددان قدرة العالم على نشر الاتصال بالإنترنت ليصل إلى نصف سكان العالم الذين لا يمتلكون وسائل الاتصال بشبكة الإنترنت.
وعلى الرغم من أن أكثر من نصف سكان العالم متصلون بشبكة الإنترنت، إلا أن توفير هذا الاتصال لبقية سكان العالم، والذين يقدر عددهم بما يصل إلى حوالي 3.8 مليار نسمة، يبدو أمراً بالغ الصعوبة وقد يستغرق الكثير من السنوات.
وأوضح هو لين تشاو، الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات، بأن وباء كورونا ساهم في تسليط الضوء على أهمية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأطلقت القمة مبادرة تعزز مفهوم السلامة في القطاع الصناعي، وذلك من خلال توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بما يضمن سلامة القوى العاملة والأفراد والمجتمعات.
وتتمثل رؤية “المبادرة العالمية لتعزيز السلامة في القطاع الصناعي” في إنشاء منصة تساهم في تعزيز السلامة في القطاع الصناعي، من خلال رفع مستوى الوعي بأهميتها وتنفيذ المشاريع الريادية الهادفة إلى ضمان سلامة الموارد البشرية في القطاع الصناعي العالمي من خلال توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
وشهد اليوم الأول من المؤتمر الافتراضي للقمة عقد مجموعة عمل شارك فيها عدد من كبار الخبراء من المنظمات والمؤسسات والشركات العالمية الرائدة بهدف مناقشة الخطوات لتعزيز دور المرأة في القطاع الصناعي.
وتشير البيانات الحالية إلى أن الرجال حققوا بالفعل مكاسب أكبر من المرأة نتيجةً لتوظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وذلك بسبب كثافة العمالة النسائية في القطاعات الصناعية التي قد تتأثر سلباً بالأتمتة.
وشدد الخبراء على ضرورة تعزيز دور المرأة في القطاع الصناعي والتركيز على إدماجها في البرامج التعليمية.
وقالت الدكتورة ألينا سورجنر، الأستاذة المساعدة في تحليل البيانات التطبيقية في جامعة جون كابوت “إن التوجه نحو توظيف التقنيات الرقمية في بعض الصناعات ساهم بالتأثير سلباً على مشاركة المرأة، خاصة أن الغالبية العظمى من النساء في هذه القطاعات يتعرضن لخطر فقدان وظائفهن نتيجة لعمليات الأتمتة”.
وشهد اليوم الأول من المؤتمر انعقاد مجموعة عمل شارك فيها خبراء من مختلف المنظمات العالمية الرائدة بهدف تطوير برنامج لقادة المستقبل والذي يهدف إلى إعداد قادة المستقبل وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع التحديات والمساهمة في تحقيق الخير للمجتمعات الإنسانية، وتعزيز الازدهار العالمي، بالإضافة إلى تأسيس شبكة من قادة المستقبل القادرين على قيادة مؤسساتهم بما يساهم في تحقيق التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة وخطة التنمية المستدامة للعام 2030 من خلال توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.