طوال 66 يوماً، عانى قطاع الصيدلة الأمرّين مع التدمير الذي لحق بمئات الصيدليات والإقفال القسري لما يقارب 800 صيدلية لوجودها في أماكن معرّضة للاستهداف. ولعلّ أسوأ ما حدث في ذلك الوقت هو عجز معظم أصحاب الصيدليات المقفلة قسراً عن «تحرير» الأدوية الموجودة على رفوف صيدلياتهم والمخزون، إلا في ما ندر. ومن استطاع فعل ذلك، فقد فعله بمجهود شخصي «وتحت القصف»، يقول أحد الصيادلة في الضاحية الجنوبية لبيروت بعدما تمكّن من إخراج الأدوية والمستحضرات على دفعات «بين جولات القصف». فعل كثر من الصيادلة ذلك، في ظلّ تقاعس نقابة الصيادلة في لبنان عن القيام بخطّة تعالج أزمة الصيادلة غير القادرين على فتح صيدلياتهم، سواء لناحية إخراج الأدوية ومن ثم تصريفها كي لا تذهب إلى التلف، وخصوصاً أن هناك أنواعاً كثيرة من الأدوية يصعب تصريفها، إما لحاجتها إلى أماكن تخزين محددة وتبريد أو لأنها تباع حصراً لحالات محدّدة لا يستطيع الصيدلي التصرّف بها وصرفها لأيٍّ كان.
وبسبب هذا الواقع، دفع الصيادلة ثمن الحرب من جيوبهم، فلم تقتصر الأضرار على البناء فقط، وإنما أتت على المؤسسة الصيدلانية بكليّتها. وإذ لا يمكن تحديد الخسائر التي تكبّدها القطاع، إلا أن نقيب صيادلة لبنان، جو سلّوم، يخمّن أن الرقم بـ»ملايين الدولارات». وينطلق سلّوم في تقديراته من الأعداد الكبيرة للصيدليات المتضرّرة، كلياً أو جزئياً، فبحسب الاستمارة الإلكترونية التي عمّمتها النقابة على الصيادلة، بلغ عدد الصيدليات المتضرّرة حتى اللحظة 383 صيدلية، موزعة ما بين 43 صيدلية مهدّمة بشكل كامل، وجزء كبير منها مع المحتويات في داخلها و200 صيدلية مدمّرة من الداخل، بحيث لم يبق سوى الهيكل و140 صيدلية بأضرار جزئية. وهذه الحصيلة ليست نهائية، بحسب سلّوم، لكون عملية التسجيل الإلكتروني لم تنته، وهناك أعداد من الصيادلة لم يسجّلوا بعد لعدم تمكّنهم من تفقّد صيدلياتهم بسبب وجودها ضمن المناطق التي يحذّر العدو الإسرائيلي من الدخول إليها. وبحسب الإحصاء، فإن النسبة الكبرى من الصيدليات المتضرّرة سجّلت في منطقة الجنوب، ومن ثم البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.
وقد خلق هذا الأمر معضلتين أساسيتين، أولاهما الكلفة العالية من الخسائر التي لا يستطيع الصيادلة التكفّل بها، وثانيتهما توقّف أصحاب الصيدليات المتضررة، كما الموظفين لديهم عن العمل، وهو ما يؤثر على هذه الشريحة التي انقطعت قسراً عن ممارسة أعمالها، وبالتالي تأمين متطلباتها ومتطلبات عائلاتها. وفي هذا السياق، بدأت نقابة الصيادلة حراكاً لدى الوزارات المعنية والمؤسسات المحلية (مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة وغيرهما) والدولية (اتحاد الصيادلة الفرنكوفوني واتحاد الصيادلة العالمي) في محاولة لتأمين دعم مادي للصيادلة للعمل على إعادة بناء مؤسساتهم.
أما في ما يتعلّق بأوضاع الصيادلة المنقطعين عن العمل، فلا خطّة حتى اللحظة لهؤلاء، إذ يشير عبد الرحمن مرقباوي، نائب نقيب الصيادلة، إلى أن «النقابة تفتّش اليوم عن باب قانوني لمساعدة الصيادلة، لكون القانون لا يسمح لنا بالتصرّف بأموال النقابة، ولذلك نعمل على التفتيش عن طريقة للمساعدة من دون الالتفاف على القانون أو مخالفته». وبموازاة هذا الأمر، فتحت النقابة «حساباً للتبرعات، وننتظر لكي نرى ما سينتج من هذا الحساب لمساعدة الصيادلة ولو بالجزء اليسير»، كما عملت على التواصل مع شركات الأدوية وأصحاب المستودعات والموزعين لإعطاء أصحاب الصيدليات المتضررة مهلاً إضافية قبل تسديد ما يترتّب عليهم من مستحقات.