الحساب الجاري إلى تحسّن من -29% إلى -20% من الناتج!

سجّل الحساب الجاري للدولة اللبنانية أرقاماً سلبية طوال السنوات الست الماضية نظراً الى الخلل القائم بين الصادرات والواردات بالدرجة الأولى والخلل أيضاً بين صافي الدخل من الخارج مقابل صافي التحويلات الجارية الى الخارج.

في العام 2018 بلغت نسبة العجز في الحساب الجاري بالدولار الأميركي من إجمالي الناتج المحلي -28.6%، و -27.9% في العام 2019 من الناتج قبل أن تتحسّن نسبياً الى -15.7% في 2020 ثم -17.3 % في 2021 لتحقّق الرقم الأعلى في الإنحدار وهو -29% في العام 2022.

التوقعات المشروطة

أما في العام 2023 فمن المتوقّع استناداً الى تقديرات صندوق النقد الدولي أن تتحسّن الى -20%، ومن دون إصلاحات ستبلغ -19.1% في 2024 و -9.6% في 2025، ثم -7.2% في 2026، لتصل الى 0.2% في 2027.

وفي حال بدأت الحكومة مسيرة الإصلاحات المنتظرة منذ نحو عامين، فإن هذا الرقم سيحدث تقدّماً إيجابياً إذ قد يبلغ عجز الحساب الجاري بالدولار نسبة -12.5% من إجمالي الناتج المحلي في العام الجاري و -12.2% في 2024 ثم -11% في 2025، ثم -9.3% في 2026، ليصل الحساب الجاري بالدولار الى -6% من إجمالي الناتج المحلي في 2027.

ويعتبر الحساب الجاري مؤشراً مهماً على صحّة الاقتصاد، ويتكوّن من كل من الميزان التجاري والسلع والخدمات والتصدير ناقص الإستيراد، إضافة الى صافي الدخل من الخارج، وصافي التحويلات الجارية.

يشير رصيد الحساب الجاري الإيجابي إلى أن الدولة هي مقرض صافٍ لبقية العالم، بينما يشير رصيد الحساب الجاري السلبي إلى أنها مقترض صافٍ من بقية العالم. يزيد فائض الحساب الجاري من صافي الأصول الأجنبية للدولة بمقدار الفائض، ويقلل عجز الحساب الجاري من ذلك المبلغ.

ووفق تلك المعادلة، يكون للدولة فائض تجاري إذا تجاوزت صادراتها وارداتها، وعجز تجاري إذا تجاوزت وارداتها صادراتها. يساهم صافي المبيعات الإيجابية في الخارج عموماً في «فائض الحساب الجاري»، يساهم صافي المبيعات السلبية في الخارج عموماً في «عجز الحساب الجاري». نظراً لأن الصادرات تولد صافي مبيعات إيجابياً، ولأن الميزان التجاري هو عادةً أكبر مكوّن في الحساب الجاري، فعادة ما يرتبط فائض الحساب الجاري بصافي الصادرات الإيجابية.

شرح المسألة

وتقول البروفيسور والخبيرة الإقتصادية نيكول بلّوز بايكر لـ»نداء الوطن» إن الحساب الجاري في ميزان المدفوعات يدوّن الإستيراد والتصدير وقيمة التحويلات من لبنان الى الخارج والعكس وعائدات الاستثمار. أما الاستثمارات من والى لبنان فتدوّن في الحساب المالي.

وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن تلك العمليات (التحويلات والعائدات…) كانت تحصل من خلال المصارف فيتمّ تحديد العرض من الدولارات التي تدخل الى البلاد والطلب من العملات الأجنبية أي الأموال التي خرجت، ما يحدّد سعر صرف الدولار الأميركي. اليوم باتت تحصّل الأموال نقداً مع توسّع رقعة الإقتصاد النقدي ما زاد من حدّة التهرّب والتهريب. إذا تمّ مثلاً إدخال بضاعة بقيمة 10 آلاف دولار فكيف يتحدّد ما إذا كان خرج 10 آلاف دولار من لبنان ليصار على أساسه تحديد العرض والطلب في الدولار في غير نطاق السوق السوداء.

أسباب التدهور

وعزت بلّوز بايكر تدهور الحساب الجاري في العام 2022 الى -29% من إجمالي الناتج المحلي الى تفاقم قيمة الواردات وذلك قبيل رفع قيمة الدولار الجمركي من 15 ألف ليرة الى 45 ألف ليرة ثم 60 ألفاً فإلى سعر «صيرفة» وهو 85 ألف ليرة. وتتوقع استناداً الى ترجيحات صندوق النقد أن تتراجع قيمة الإستيراد لذلك سيتحسّن ميزان السلع والخدمات Goods and services ضمن الحساب الجاري في السنة الجارية، وتخفّ وتيرة تدهور نسبة الحساب الجاري الى الناتج. ولكن النمو الاقتصادي لا يقاس بانخفاض حجم الاستيراد بل بتحفيز التصدير.

تراجع الإستيراد

وهذا الأمر أكّده الخبير الإقتصادي د. نسيب غبريل الذي أوضح لـ»نداء الوطن» أن «السبب في ترجيحات صندوق النقد الدولي بتحسّن أرقام الحساب الجاري في السنة الحالية يعود الى التوقعات بتراجع حركة الإستيراد. ويلفت الى أن «قيمة الإستيراد في العام 2022 ارتفعت الى 16 مليار دولار، وهو مستوى ما قبل الأزمة، كنتيجة مباشرة للأسباب التالية:

– ارتفاع أسعار النفط عالمياً جرّاء الإجتياح الروسي لأوكرانيا ما أدى الى زيادة أكلاف الشحن والتأمين.

– زيادة أسعار المواد الأولية والقمح.

– تحليق الدولار الجمركي واستيراد كميات كبيرة من منتجات عدة قبل دخول الدولار الجمركي المعدّل حيّز التنفيذ، علماً أننا في لبنان نستورد لاقتصادين وليس لاقتصاد واحد.

إختلاف العوامل

وأيّد غبريل صندوق النقد الدولي في ترجيحاته بأن «العوامل التي كانت موجودة سابقاً والتي أدت الى زيادة الاستيراد لن تكون موجودة اليوم خلال السنة الجارية، بسبب دخول ارتفاع سعر الدولار الجمركي حيّز التنفيذ إذ رفعته الحكومة 4 مرات، ولا يوجد حافز لاستيراد فائض. وتهاوي أسعار النفط التي باتت اليوم بقيمة 75 دولاراً أميركياً لبرميل النفط (برنت)، ويعتبر ذلك تراجعاً حاداً مقارنة مع السعر الذي كان مسجّلاً في آذار سنة 2022. فضلاً عن تراجع أكلاف التأمين والشحن جرّاء تراجع سعر برميل النفط، وانخفاض أسعار القمح بدورها. كل تلك العوامل برأيي ستكون كفيلة بتهاوي حجم الاستيراد بشكل كبير للسنة الجارية.

أما في ما يتعلّق بالصادرات، فقال إن «لبنان لا يصدّر فقط سلعاً بل خدمات أيضاً كالسياحة التي تعتبر إحدى صادرات لبنان لناحية الخدمات، والسنة الجارية تبدو السياحة أفضل من العام الماضي. الى ذلك نصدّر خدمات أخرى مثل المعلوماتية والبرامج وغيرها، وهذا الأمر سيقلّص العجز في الحساب الجاري الخارجي».

ولا بدّ هنا من الإشارة الى أن صندوق النقد الدولي توقّع تراجع نسبة صادرات السلع والخدمات من 21.6% من الناتج المحلي الى 7.6% تزامناً مع تهاوي نسبة الواردات بالدولار الأميركي الى نسبة -16.2 % من إجمالي الناتج المحلي من نسبة 37.1 % في العام 2022.

 

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةصادرات لبنان إلى مصر معفاة من الرسوم؟
المقالة القادمةالصندوق السيادي في “حلّته التشريعية”… وهذه عناوينها