أطلق صناعيو لبنان صافرات الإنذار محذرين من الشلل التام للقطاع بعدما زاد الحظر السعودي على واردات المنتجات المحلية من متاعب الشركات التي تعاني أصلا من أزمات خانقة بسبب الضائقة المالية الحادة، في الوقت الذي يرى فيه خبراء أن فرص إنقاذها تتضاءل بشكل أكبر.
يختزل توقف هدير الآلات وتقلص دورات العمل في مصنع شركة الشرقية للمنتجات الورقية المتخصصة في الأدوات المكتبية قرب العاصمة بيروت حالة الصناعة المحلية التي ازدادت أحوالها سوءا بفعل حظر السعودية للواردات القادمة من لبنان. وكانت الشركة تئن بالفعل تحت وطأة التبعات المترتبة على الأزمة الاقتصادية الطاحنة بالبلاد منذ أكثر من عامين، وازداد الطين بلة بعد الخلاف الدبلوماسي الكبير مع الرياض.
وفي الأسبوع الماضي وسعت الرياض حظرا كانت قد فرضته على استيراد بعض السلع من لبنان، وحولته إلى حظر شامل على كافة الواردات في رد فعل على انتقاد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي لدور السعودية في الحرب الأهلية في اليمن. وفاقمت التصريحات تدهور العلاقات بين الحليفين السابقين، وتصاعدت وتيرة الانتقادات من الرياض لما تقول إنه النفوذ الإيراني المتنامي في لبنان.
وكانت الشركة تنتج كتبا وأدوات مكتبية بقيمة 500 ألف دولار للتصدير إلى السعودية قبل أن يدخل الحظر حيز التنفيذ. وقال زياد بكداش الرئيس التنفيذي للشركة لرويترز “يعني بالأساس عندنا مشاكلنا، وزادوا علينا المشاكل، وهذا الخلاف تفجر في توقيت سيء على نحو خاص للاقتصاد اللبناني”. وأوضح بكداش، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس جمعية الصناعيين، أن الشركات كانت تسعى لتعظيم الاستفادة من زيادة القدرة التنافسية بعد انهيار الليرة على أمل رفع قيمة الصادرات إلى السعودية من 240 مليون دولار في 2020 إلى 600 مليون دولار. وأضاف أن المحصلة الآن “صفر”، مشيرا إلى أن عدة شركات لبنانية بدأت تنقل مصانعها إلى بلدان منها سلطنة عمان وتركيا وقبرص لتفادي الحظر السعودي.
وتشمل الصادرات اللبنانية غير الغذائية إلى السعودية الألومنيوم والذهب والحلي والماكينات والصابون والدهانات. وقال بكداش “كأن هناك خطة ومنهجا لضرب القطاعات الاقتصادية والصناعية بلبنان، بالإضافة إلى قطع العلاقة والوصل بين لبنان والعالم وخصوصا الخليج والسعودية”. وتعصف بالشركات والأعمال في لبنان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ البلاد. وازدادت الأوضاع تعقيدا بفعل ضربات جائحة كوفيد – 19 والانفجار الهائل في مرفأ بيروت العام الماضي الذي دمر قطاعات كبيرة من العاصمة.
وخسرت الليرة اللبنانية المربوطة بالدولار الأميركي منذ أكثر من عقدين أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ عام 2019، مما أضعف القوة الشرائية للسكان، بينما أدت إجراءات العزل على مستوى العالم إلى تراجع كبير في الصادرات. وفي أبريل الماضي أوقفت السعودية استيراد المنتجات الزراعية والغذائية اللبنانية بعد قفزة في معدلات تهريب المخدرات ألقت السلطات السعودية بالمسؤولية عنها على فشل لبنان في التصدي لها. ويقول لبنان إنه اتخذ إجراءات لحل المشكلة منذ ذلك الحين، من بينها تنفيذ عدد من العمليات الكبرى لضبط المخدرات.
وأضاف رئيس الشركة التي تبلغ قيمة صادراتها إلى السعودية أكثر من مليون دولار “لماذا علينا نحن أن ندفع الثمن؟”.
وكانت بعض الشركات تعمل بالفعل على إصلاح العلاقات مع السعودية عندما اندلعت الأزمة الجديدة. والتقى رجل الأعمال اللبناني جو رزق مدير سلسلة التوريد في شركة ساكند هاوس برودكتس التي تنتج خلطات التوابل ومجموعة متنوعة من الأغذية الجافة مع القنصل السعودي في بيروت عشية بث تعليقات قرداحي. وقال رزق في مصنع في ضواحي بيروت “كنا نجرب حل الأزمة بأي طريقة ممكنة لكن الأمور تأزمت من جديد”.
وأشار إلى أنه قبل فرض الحظر السعودي كانت 20 في المئة من منتجات الشركة تذهب إلى 700 مطعم في السعودية، وأن الشركة لم تتمكن من العثور على مشترين بدلاء قبل حلول شهر رمضان في الربيع المقبل، والذي عادة ما يكون موسم الرواج بالنسبة إليها. وأصبح رزق يفكر حاليا في نقل جزء من إنتاجه إلى الخارج، ويخشى من احتمال اضطراره إلى تسريح قسم من العمالة. وقال “في النهاية نحن من ندفع الثمن في هذه القضايا الكبيرة جدا. هم تعبوا ونحن تعبنا” في إشارة إلى الشعبين السعودي واللبناني. وأضاف “هي خسارة للاثنين وليس فقط لنا”.
ويمارس القطاع منذ أشهر طويلة ضغوطا شديدة على السلطات لإقرار إجراءات عاجلة لمساعدة الشركات الصناعية بمختلف أحجامها وخاصة بعد التداعيات الكارثية التي خلفتها الأزمة الصحية بالتزامن مع شح الأموال في السوق المحلية وتقلص الاستثمارات.
وحذّر رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل مرارا من أن الصناعيين أصبحوا على مشارف إغلاق شركاتهم بسبب الأزمات المتفاقمة يوميا وانسداد الآفاق لحل الأزمة الاقتصادية. وتظهر التقديرات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية أن القطاع يساهم في الظروف العادية بنحو 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفق بيانات منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، فإن الصناعة اللبنانية توفر نحو 195 ألف فرصة عمل مباشرة، أي ما يعادل 25 في المئة من اليد العاملة النشطة، مما يجعل هذا القطاع ثاني أكبر قطاع موفر للوظائف بعد القطاع العام.