نهار الجمعة الماضي، قامت وكالة التصنيف العالمية ستندرد أند بورز بتعديل نظرتها المستقبلية للبنان من ثابت إلى سلبي وذلك بعد الإشارات السلبية التي تلقتّها الأسواق من قبل الحكومة اللبنانية خصوصًا في جلستها الأخيرة التي إحتوت على العديد من القرارات ذات الطابع الإنفاقي.
مُثقلًا بأرقام ضخمة، يواجه لبنان تحدّيات كبيرة من ناحية ماليته العامّة. هذه التحدّيات تطال بالدرجة الأولى العجز في الموازنة والذي يُشكّل المعيار الأول الذي تستخدمه الأسواق للحكم على أداء الحكومة اللبنانية. هذه الأخيرة وُلدت من رحم الخلافات السياسية التي عطّلت تشكيلها خلال أكثر من 9 أشهر وتنطلق بملف خلافي جوهري هو ملف النازحين والذي قد يُعطّل من حركتها إذا ما تفاقم الإنقسام بين أطراف يخضون حربًا باردة فيما بينهم.
إستنتاجات تشاؤمية من قبل الوكالات
ستندرد أند بورز ترى أن الحكومة اللبنانية تتلكأ في القيام بإصلاحات مالية في الموازنة مما يُضعف من ثقة المُستثمرين. وبالتالي ترى الوكالة أن تدفق الأموال قد يتباطئ ونظرًا إلى حاجة الدوّلة إلى التمويل، من المُمكن أن يتمّ اللجوء إلى إحتياط مصرف لبنان مما يؤدّي إلى تآكل قدرة لبنان على تغطية خدّمة الدين العام مما يعني زيادة الطلب على العمّلة الصعبة. على الرغم من هذا الإستنتاج، لم تعمد الوكالة إلى تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني بل حافظت على التصنيف السابق أي B-/B على الآمد البعيد والقصير.
وكانت وكالة موديز قد خفّضت تصنيف لبنان الإئتماني إلى Caa1 على أثر التخبّط السياسي الذي ضرب لبنان في العام 2018 والذي دفع الوكالة إلى التخوّف من عدم قدرة الحكومة على لجم دينها العام بسبب نقص السيولة. ولم تكتفي موديز بهذا الأمر، بل عمدت إلى تخفيض التصنيف الإئتماني لثلاثة مصارف لبنانية بحكم تعرّضها للدين السيادي اللبناني.
مُعطيات على الأرض تزيد من حساسية الوضع
هناك عددًا من النقاط يجب أخذها بعين الإعتبار لوصف الواقع بدقّة:
أولًا –النمو الإقتصادي ضعيف ويُقدّر في العام 2018 بأقلّ من 1% وهو غير كاف لتغطية حاجة الدوّلة المُستمرّة إلى الأموال. فالعجز في العام 2018 تخطّى الـ 6 مليار دولار أميركي وهو مُرشّح للإرتفاع في العام 2019 إذا لم تقم الحكومة بإجراءات تصحيحية.
ثانيًا – الضغط الدولي على لبنان لإجراء الإصلاحات يزيد يومًا بعد يوم والسبب يعود إلى أن وعود المليارات في مؤتمر سيدر أتت نتيجة الوعود التي قامت بها الحكومة اللبنانية للمُقرضين في المؤتمر. وبالتالي فإن مصادقية الحكومة هي على المحك.
ثالثًا – أخذ إهتمام وكالات التصنيف الإئتماني بلبنان بالإزدياد بعد مؤتمر سيدر وذلك نتيجة طلب المُستثمرين مما يعني أن هناك عين إقتصادية – مالية خبيرة بالأوضاع اللبنانية تسهر على قياس الوضع في لبنان وعلى إبرازه من خلال تقاريرها. لذا نرى أنه من الأن وصاعدًا سنشهد وطأة كبيرة لكل تقرير أو تقييم يصدر عن هذه الوكالات أو عن مكاتب الدراسات العالمية.
رابعًا – لم تستطع السلطة السياسية في لبنان فصل الملفات السياسية عن الملفات الإقتصادية مما يجعل أي خلاف سياسي ينعكس على الملفات الإقتصادية وهذا ما أظهره الخلاف على ملف النازحين والذي أدّى إلى رفع الجلسة من قبل رئيس الجمهورية.
خامسًا – ما يزال هناك نقص واضح في تنفيذ الخطوات الإصلاحية التي تعهّدت بها الحكومة اللبنانية في مؤتمر سيدر. والأصعب في الأمر هو أن الحكومة في جلستها الأخيرة عمدت إلى أخذ عدد من القرارات التي لها تداعيات سلبية على المالية العامّة وبالتالي على عجز الموازنة.
سادسًا – بعد عدّة سنوات من الأزمة السورية وما خلّفته في الداخل اللبناني من نزوح وإنقسام سياسي وهروب الإستثمارات الخليجية، أخذت تداعيات غياب الإستثمارات بالظهور إلى العلن مع تباطؤ العديد من القطاعات وعلى رأسها القطاع العقاري والقطاع السياحي.
في المُقابل هناك عدد من النقاط الإيجابية
الإكتفاء بما سبق ذكره يعني الإستسلام لواقع سيء والإعتراف بالفشل. لذا يجب في المقابل إبراز النقاط الإيجابية التي يمتلكها لبنان:
أولًا – ما زال مصرف لبنان يمتلك إحتياط من العملات الأجنبية يفوق الـ 40 مليار دولار أميركي. هذا الإحتياط هو صمّام الأمان للبنان وقد بناه رياض سلامة تحت وابل من الإنتقادات والتشهير والهجوم من قبل أشخاص لم يروا بعيدًا لمعرفة ماذا سيواجه لبنان في المُستقبل.
ثانيًا – الدعم القطري لشراء 500 مليون دولار أميركي سندات خزينة وكثرة الحديث عن توجّه المملكة العربية السعودية لدعم لبنان إمّا عبر شراء سندات خزينة أو عبر وديعة في مصرف لبنان، تُشكّل بحدّ ذاتها عناصر دعم لا يُستهان بها لما لها من وقع إيجابي على ثقة المُستثمرين العالميين.
ثالثًا – يأتي تشكيل الحكومة والزخم الذي إنطلقت به ليُزيد ثقة المُستثمرين (كما عبّرت عنه ستندرد أند بورز في تقريريها). وتتوقّع الأسواق من قبل الحكومة إجراءات ملموسة لكي تتحوّل هذه الثقة إلى إجراء عملي، لذا إذا لم تعمد الحكومة إلى لجم عجز الموازنة، فإن الوضع سيسوء أكثر وبالتالي سيكون هناك تداعيات غير محمودة.
هل لبنان فعلًا بخطر؟
خروج لبنان من أزمته هو رهن توافق القوى السياسية على الملفات الإقتصادية والمالية، لذا لبنان بخطر إذا إختلفت القوى السياسية وعطّلت الإصلاحات والإستثمارات المُنتظرة. في المقابل إن الإتفاق على تطبيق الإصلاحات هو باب لنهضة إقتصادية كبيرة، وبإعتقادنا، يجب على القوى السياسية أن تعي حساسية الوضع الحالي والقيام بما يلزم للجم عجز الموازنة.