تخطّى مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف أهم العراقيل، التي فرملت العمل عليه تحت سقف البرلمان. فالخلاف بين الحكومة والمصرف المركزي، حول الجهة التي ستدير عمليّة إعادة الهيكلة، تمّت تسويته. وعليه، توصّل الطرفان إلى صيغة جديدة متّفق عليها بينهما، وهو ما سيسمح للجنة الفرعيّة المنبثقة عن لجنة المال والموازنة النيابيّة بمتابعة دراسة مشروع القانون، قبل إحالته إلى اللجنة الأم.
وهكذا، نجح رهان اللجنة الفرعيّة على إمكانيّة الوصول إلى التوافق حول هذه النقطة الإشكاليّة، بدل فرض التصويت داخل البرلمان وترجيح كفّة أحد الطرفين، الحكومة أو المركزي، ما سيعني كسر الطرف الآخر. ومن البديهي الافتراض أنّ اللجنة الفرعيّة، التي انتظرت هذا الاتّفاق طويلاً، ستتبنّى الصيغة الجديدة المُتفق عليها كما هي.
تنشر “المدن” في هذا المقال تفاصيل هذا المُقترح المُتفق عليه بين الحكومة ومصرف لبنان، نقلاً عن النص الذي جرى تحضيره لضمّه إلى مشروع قانون إصلاح اوضاع المصارف (أو إعادة الهيكلة).
قصّة المفاوضات الصعبة
مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، أو إصلاح أوضاع المصارف وفق التسمية الرسميّة، يفترض أن يحدّد الجهة التي ستتخذ القرارات النهائيّة بخصوص كل مصرف. وهذه القرارات ستتراوح بين التصفية، أو فرض إدارة مؤقتة، أو إصلاح وضع المصرف عبر إعادة رسملته، أو حتّى فرض إجراءات عقابيّة معيّنة… إلخ. مع الإشارة إلى أن قرارات هذه الجهة، أياً تكن هويّتها، يفترض أن تستند إلى تقارير لجنة الرقابة على المصارف، التي ستتولّى أعمال التقييم والتدقيق، مع تقديم التوصيات.
في 14 نيسان الماضي أفرجت الحكومة عن صيغتها المقترحة، في مشروع قانون إعادة الهيكلة الذي أحالته إلى مجلس النوّاب. ويقوم مقترح الحكومة على إبقاء هذا الدور (القرارات بخصوص مستقبل كل مصرف) منوطاً بالهيئة المصرفيّة العليا، الموجودة أساساً بموجب القوانين الحاليّة. غير أنّ مقترح الحكومة غيّر تركيبة الهيئة لتكون أكثر استقلاليّة: فأخرج منها ممثّل المصارف، والمدير العام لوزارة الماليّة، والقاضي المعيّن بمرسوم. وأدخل في المقابل ثلاثة خبراء يعيّنهم مجلس الوزراء، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف. في هذا الطرح، ظلّ الحاكم رئيس هذه الهيئة المُقرّرة، لكنّ الهيئة باتت أبعد عن سيطرته، بعد إعطاء وزن إضافي للخبراء المستقلين، ودخول رئيس لجنة الرقابة كعضو وصاحب صوت.
كما كان متوقّعاً، لم يكن حاكم مصرف لبنان مُعجباً بطرح الحكومة. وفور بدء المناقشات في لجنة المال والموازنة، ثم في اللجنة الفرعيّة المُخصصة لدراسة القانون، أشهر الحاكم اعتراضه لهذه الصيغة، من باب الامتعاض من المساس بصلاحيّات الحاكم.
وقدّم الحاكم فوراً طرحه البديل: عدم تعديل تركيبة الهيئة المصرفيّة العليا الموجودة، التي ستبقى مختصة بالإجراءات “التأديبيّة” الروتينيّة كما هو الحال الآن. أمّا عمليّة إعادة هيكلة المصارف الكبرى المنتظرة، فتكون من اختصاص لجنة جديدة يرأسها هو أيضاً، ويكون في عضويتها إثنان من نوّابه، ومدير عام وزارة الماليّة، وأحد القضاة.
بهذا الشكل، ما أراده حاكم مصرف لبنان هو التالي: أن تبقى لجنة إعادة الهيكلة تحت سيطرته، إذ سيكون أربعة من أصل خمسة أعضاء فيها من أعضاء المجلس المركزي للمصرف، الذي يرأسه هو. وأن لا يكون لرئيس لجنة الرقابة على المصارف صوتاً مقرّراً في لجنة إعادة الهيكلة. وأن لا يتم المسّ بتركيبة الهيئة المصرفيّة العليا، ولا إقحامها في قرارات إعادة الهيكلة أصلاً. لجنتان ودوران، وحاكم واحد يرأسهما، ويتحكّم بشكلٍ صارم بمساراتهما، هنا وهناك.
الصيغة المتّفق عليها
فور ظهور الخلاف بين مصرف لبنان ومشروع القانون المُقترح من قبل الحكومة، قرّرت اللجنة الفرعيّة المنبثقة عن لجنة المال والموازنة الطلب من الطرفين التداول والوصول إلى صيغة موحّدة. وعلى هذا الأساس، جرى التفاوض بين الطرفين، وصولاً إلى الصيغة النهائيّة التي تعرض “المدن” تفاصيلها.
الحل الوسط يقوم على الإبقاء على خيار الاعتماد على الهيئة المصرفيّة العليا، وفقاً لطرح الحكومة، لكن مع توزيع عمل الهيئة على غرفتين: غرفة أولى تتولّى دور فرض العقوبات على المصارف المخالفة، وهو ما يُعرف بالدور التأديبي المنوط أساساً بالهيئة اليوم. وغرفة ثانية تختص بأعمال إعادة الهيكلة، أي تصفية المصارف أو فرض إصلاح أوضاعها أو إعادة تنظيمها. أي كل ما يختص بالأوضاع الطارئة والاستثنائيّة، كالتي يعيشها القطاع اليوم.
أمّا من حيث التركيبة، فستكون كالتالي:
– تركيبة الغرفة الأولى، أي الغرفة المختصّة بالتأديب والعقوبات، مشابهة لتركيبة الهيئة المصرفيّة العليا الحاليّة، إنما مع استثناء تمثيل جمعيّة المصارف ومؤسسة ضمان الودائع. وفي المقابل، يدخل إلى الهيئة رئيس لجنة الرقابة على المصارف. وبذلك يكون المقترح قد تلاءم هنا مع شروط صندوق النقد، الذي أشار إلى تضارب المصالح الذي سينشأ عن مساهمة المصارف في تقرير مستقبلها. كما تحفّظ على اشتراك مؤسسة ضمان الودائع في هذه القرارات، نظراً لاشتراك المصارف في ملكيّة المؤسّسة.
– تركيبة الغرفة الثانية، أي الغرفة المختصّة بإعادة الهيكلة، ستضم الحاكم وإثنين من نوّابه، فضلاً عن مدير عام وزارة الماليّة وقاضٍ يعيّنه مجلس الوزراء، وممثّل عن مؤسسة ضمان الودائع (شرط أن لا يكون من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة الذين يمثّلون المصارف). أما رئيس لجنة الرقابة فلا يكون عضواً أصيلاً في الغرفة، بل يكتفي بالانضمام لعرض حالة المصرف موضوع البحث.
بهذا الشكل، بدا أن الطرح قد قدّم حلاً وسطاً بين مقترحي الحكومة ومصرف لبنان. إذ “نظّف” المقترح الغرفة الأولى للهيئة المصرفيّة العليا من تمثيل المصارف، وأعطى رئيس لجنة الرقابة العضويّة والصوت الذي طالبت به الحكومة. ودخل الحاكم مع نائبين إلى الغرفة الثانية، من دون إعطاء صوت خاص لرئيس لجنة الرقابة، وهو ما يحفظ الثقل الذي أراده الحاكم لنفسه في عمليّة إعادة الهيكلة. كما فصل المقترح الأعمال ما بين الغرفتين المختصّتين في قرارات التأديب من جهة، وإعادة الهيكلة من جهة أخرى، وهو ما يقترب من فكرة الحاكم. لكنّ المقترح أبقى على الهيئة المصرفيّة العليا بوصفها مرجعيّة موحّدة لكل القرارات المتعلّقة بالمصارف، كما نصّ اقتراح الحكومة.



