كالعادة في لبنان يتم اللجوء إلى حلول مؤقتة دون النظر في حل المشكلة من جذورها ومعالجتها بطريقة نهائية، وهذا ما يحصل دائماً وحصل مؤخراً في موضوع الكهرباء، فبعدما كان لبنان على موعد مع العتمة بسبب أزمة الفيول العراقي يتباهى رئيس الحكومة ووزير الطاقة بأنهما تمكنا من التوصل إلى حل ( مؤقت) ومن يدري متى سينتهي هذا المؤقت ربما بعد شهر او اكثر.
بعد تأخُّر تفريغ شحنات الغاز أويل المستَبدَل من الفيول العراقي، حسب الاتفاقية الموقَّعة بين لبنان والعراق في العام 2021. والتأخُّر يعود إلى “الإشكالية المالية ما بين مصرف لبنان، الحكومة اللبنانية، والحكومة العراقية”، سمحت الدولة العراقية بتعبئة الباخرة الفارغة المتوقفة في البصرة، بالفيول أويل العراقي، ما سمح لبواخر الغاز أويل بتفريغ حمولتها في معامل إنتاج الكهرباء في لبنان، وتحديداً في دير عمار والزهراني. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلن أنه بحث مع رئيس مجلس الوزراء العراقي في ملف استمرار تزويد لبنان بالنفط العراقي والالتزامات المالية المترتبة عن ذلك، مشيراً إلى أنه تم التوافق على استمرار هذا الدعم مما سيساعد في حل الازمة المستجدة.
الخبير الإقتصادي الدكتور بلال علامة يروي قصة الكهرباء في لبنان وقصة الفيول العراقي ويقول في حديث للديار :
منذ بدء الأزمة الإقتصادية والمالية في لبنان عشية تشرين 2019 بدأت القطاعات تتهاوى الواحد تلو الآخر وليس أهمها قطاع الكهرباء الذي وصل به الأمر الى التوقف كلياً عام 2020 عن الانتاج وتوزيع الطاقة لعدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان ولا وزارة الطاقة المتابعة بإستيراد الفيول أويل نتيجة عدم توفر الأموال ونتيجةً للضغط الشعبي والتحركات التي طالت قطاع الكهرباء نتيجة الشبهات المتعلقة بعمل قطاع الكهرباء.
ويتابع علامة في العام 2020 عرضت دولة العراق تقديم هبة للبنان عبارةً عن 500 طن من الفيول العراقي ليشكل في حينه المنفذ الوحيد الذي جنّب لبنان ساعات تقنين طويلة، بدت محتّمة، وخصوصاً مع إنعدام الحلول البديلة التي إشترطت أولاً عملية إصلاح شاملة في القطاع، بالإضافة إلى رفع العراقيل الدولية من أمام إستجرار الكهرباء من الأردن أو الغاز من مصر.
ووفقاً لعلامة ترجم تدفق هذا الفيول عبر الإتفاقية الموقعة بين البلدين، قراراً سياسياً بالوقوف إلى جانب لبنان في محنته. فلقي الأمر تسهيلاً دولياً، مقابل تحمل العراق المخاطر العالية الناجمة عن توريد كميات من ثروته السوداء،لبلد مأزوم بكهربائه ودولاراته وفساده ، لافتاً أنه في العام 2021 تقدم لبنان بطلب للحكومة العراقية لزيادة الكميات المرسلة مقابل تعديل في العقد الأساسي الموقع والذي يتضمن تعهد لبنان بدفع ثمن الكميات الإضافية التي ترسل إضافة الى الهبة المقررة من قبل العراق.
ويقول علامة رتّب سريان الإتفاقية حتماً مسؤوليات مالية على لبنان. إلا أن اليد الممدودة للإستعانة بالفيول العراقي، بقيت مقصرة في تسديد ثمن كمياته التي ستبلغ من نهاية مرحلة التمديد الثانية نحو 3.5 ملايين طن من الفيول، بالإضافة الى مليوني طن من النفط الخام. الأمر الذي يضع مستقبل الإتفاقية الممددة مرتين، على محك الإجراءات العملية التي سيتخذها لبنان لتسديد الموجبات عليه. ويتابع علامة : العراق، المأزوم إقتصادياً أيضاً، لا يبدو مستعداً لتبديد كميات النفط الموردة إلى لبنان، مقابل لا شيء. وهذا ما يجعل منها ديناً متراكماً، قدرت مصادر مطلعة قيمته حتى الآن بنحو مليار ومئة مليون دولار مستحقة للعراق فيما آلية تسديد هذا الدين لا تبدو واضحة حتى الآن ، لافتاً أن ضمانات حقوق العراق المستحقة من خلال الإتفاق الموقع منذ تموز 2021، ارتبطت بحساب إعتماد مستندي غير معزز، فُتح في مصرف لبنان لصالح البنك المركزي العراقي، نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية SOMO الموردة للنفط. “وهذا ربما ما يجعل الجانب العراقي واثقاً بأنّ وديعته ستبقى بـ”الحفظ والصون» في حساب خاص فُتح بمصرف لبنان بالتزامن مع توقيع إتفاقيته مع لبنان حيث يتم التعامل مع حساب الإعتماد المستندي المفتوح لصالح البنك المركزي العراقي نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية SOMO، كوديعة مصرفية لمدة سنة واحدة، تجدد تلقائياً بإتفاق بين الطرفين”.
ويوضح علامة ان الجانب العراقي يستخدم ، حصراً، رصيد الحساب اعلاه كلياً أو جزئياً وفقاً للآلية التي سيتم الاتفاق عليها مع الجانب اللبناني، لغرض شراء السلع والخدمات لصالح الوزارات والمؤسسات العراقية، على ان يضمن مصرف لبنان إستلام الجهات اللبنانية التي تقدم الخدمات للجانب العراقي مستحقاتها باستخدام أوامر الدفع، أو نقدا بالعملة المحلية عند الطلب، ومن الرصيد المتجمع في حساب البنك المركزي العراقي المفتوح لغرض تنفيذ هذا الاتفاق لدى مصرف لبنان.
وفي استنتاج علامة الإتفاقية هي إتفاقية نفط عراقي مقابل خدمات وسلع لبنانية. تتضمن تسديد ثمن هذه الخدمات والسلع لمصدريها اللبنانيين، من “وديعة العراق” في مصرف لبنان، على أن يكون الدفع بالليرة اللبنانية.
“لم تتبدل هذه الآلية إثر تجديد العقد مرتين متتاليتين، وحتى بعد رفع الكميات الموردة من مليون طن في السنة الأولى إلى مليون ونصف الطن في الإتفاقية المجددة عام 2023. وبينما كان يفترض أن يبدأ تنفيذها في نهاية السنة الأولى من الإتفاق، بقي الأمر مؤجلاً”.
ووفقاً لعلامة “من الواضح أن الجانب اللبناني ممثلاً بالمسؤولين عن هذا الملف جميعهم دون إستثناء أصروا على التعامل مع هذا الموضوع بخفة وبإزدراء شديدين. فالواضح أن الحكومة أهملت عن قصد لحظ مستحقات دولة العراق خاصة في موازنتي الأعوام 2023 و 2024 وبالتالي أظهرت سوء نيتها لناحية رغبتها بعدم الدفع .كذلك فعل المجلس النيابي عندما أقر موازنة العام 2024 وتجاهل المستحقات العراقية كي لا يشرع بالأصل عقد الإتفاق مع الدولة العراقية”.
ويستغرب علامة لأنه في نفس الوقت الذي أثير موضوع مستحقات دولة العراق أقدمت وزارة الطاقة في لبنان على الإعلان عن إطلاق مناقصة لشراء 30 ألف طن شحنة من مادة الفيول أويل بمبلغ 25 مليون دولار أعلن عنها على منصة وزارة الطاقة “مما أثار حفيظة الجانب العراقي الذي ينتظر منذ سنتين دفعة أجزاء من مستحقاته أو ايداع المبالغ في الحساب المفتوح لدى مصرف لبنان لحساب الدولة العراقية،وبما أن الإنتظار العراقي لم يجدي نفعاً فقد علق تسليم لبنان شحنات إضافية من الفيول وبات لبنان مهدداً بالعتمة الشاملة بعد خروج تدريجي لمعامل الإنتاج من الخدمة”.
ويختم علامة بالقول: اليوم لسان حال دولة العراق ” حسناً تعمل ، شراً تلق” ولسان حال المسؤولين اللبنانيين “في التكرار فائدة فلعل وعسى يتكرم علينا الأشقاء العراقيون مجدداً دون أن ندفع فلبنان بلد شحادة وتعود على السرقة والتوقف عن الدفع” .