تحت وطأة انقطاع الخبز والطوابير على أبواب الأفران، أحال وزير الاقتصاد، أمين سلام، إخباراً إلى النيابة العامة الماليّة حول هدر للمال العام في استيراد القمح المدعوم وبيعه. ولا شكّ بأن العبارة التي استعملها الوزير، أي «جشع محتكري الرغيف» هي ملائمة لتوصيف الوضع على الجانب التجاري، إلا أنها لا تكفي لتوصيف الوضع على جانب السلطة التي تتباطأ في القيام بواجباتها جهلاً أو عمداً. فالإخبار يأتي بعدما تفاقمت الأزمة التي ظهرت ملامحها قبل أشهر، وكان واضحاً أنها ستنفجر في وقت ما لاحقاً، فضلاً عن أن الإخبار لا يعالج أصل المشكلة، بل يستعمل كأداة للمحاسبة على فعل سابق، إذ يتطلب الأمر إجراءات سريعة وفورية لتخطّي الأزمة.
يأتي هذا الإخبار، بعد أشهر من التخبط والفوضى في إدارة ملف دعم القمح لإنتاج الخبر، إذ لم ينتج من ذلك سوى ابتزاز متواصل من المطاحن والأفران لكسب أقصى ما يمكن من الدولارات المدعومة، وهو أمر يبقى قائماً طالما أن القضاء لم يبادر إلى تحمّل مسؤولياته أيضاً. ففي الساعات الماضية، انقطع الخبز، فاتحاً أزمة طوابير على أبواب الأفران، ما خلق سوقاً سوداء لبيع الطحين المدعوم، وربطات الخبز بأسعار خيالية، لكن برز أيضاً بيع «طحين فاسد مخزن منذ أكثر من ستة أشهر» بحسب أعضاء في تجمع أفران المناقيش والمرقوق في الجنوب.
ووصلت الأزمة إلى هذه المرحلة، بعدما توقفت الأفران عن إنتاج الخبز بحجّة أن عدداً من المطاحن توقف عن تسليم الكميات. وهذه المطاحن ادّعت أنها توقفت عن الاستيراد. أطلق هذا الأمر نقاشاً حول المخزون. فتضاربت المعطيات بين وزارة الاقتصاد والمطاحن. سلام قال إن المخزون يبلغ 45 ألف طن، ويكفي لشهر ونصف شهر، بينما قالت المطاحن إن المخزون يكفي لأسبوعين فقط وسط توقف 5 مطاحن كبيرة من أصل 11 عن العمل. وعندما ظهرت بوادر انقطاع الخبز، صرّح الوزير مفسّراً التضارب بأنه يعود إلى قيام المطاحن ببيع الطحين المدعوم في السوق السوداء بأثمان مضاعفة وباستعماله في إنتاج الحلويات وغيرها، ما يعتبر «هدراً للمال العام». هكذا بدا واضحاً أن المعركة تدور حول كيفية اقتناص أكبر قدر ممكن من الدولارات المدعومة. وكان لافتاً أن رواية الوزير مبنية على ما قاله تجمّع موزعي مادة الطحين في الجنوب عن توافر كميات من الطحين في السوق السوداء.
لكن ليست المطاحن وحدها في المعركة، وإن غاب معظم أصحابها عن السمع، بل تولّى أصحاب الأفران قيادة المعركة. يردّ رئيس نقابة أصحاب الأفران علي إبراهيم على الاتهامات بدعوة «القضاء إلى محاسبة المذنبين إن وجدوا». لكنه يسأل: «ماذا فعل وزير الاقتصاد منذ 6 أشهر حتى الآن؟ ليرسلوا الهيئات الرقابية والتفتيش المركزي للتأكد من وجود الكميات». ويقول أيضاً: «حتى لو كان هناك 100 ألف طن طحين، فإنه في ظل توقف 5 مطاحن كبرى عن العمل، تعمل الأفران بـ 50% من طاقتها الإنتاجية».
في هذا السياق، هناك مخاوف من قيام أصحاب الأفران والمطاحن بمزيد من التصعيد في مواجهة الإجراءات القضائية، لذا تعيد مصادر وزارة الاقتصاد التأكيد أن «الكميات متوافرة، ويجب أن يكون المسار القضائي سريعاً وفعالاً. الإخبار المقدّم إلى النيابة العامة الماليّة يطال الجميع». أما عن سبب توقف المطاحن عن العمل، فتذكّر المصادر بأن تحذيرات الوزارة جدية وأن «أصحاب المطاحن اختبروها سابقاً. أحدهم دخل إلى السجن، وآخر أكل الضرب بأكثر من مليون دولار».