تستعد الأطراف المعنية بالخطة الانقاذية التي قد ترى النور في سرعة قياسية بعد تشكيل الحكومة، وفي مقدمها القطاع المصرفي، للترويج للمقاربات التي تعتبر انها ينبغي أن تُعتمد في الخطة الجديدة التي ستستكمل الحكومة على أساسها المفاوضات التي بدأتها في عهد الحكومة المستقيلة مع صندوق النقد الدولي.
من أولى المهام التي تقع على عاتق الحكومة العتيدة استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي كانت قد توقفت عند تعدُّد وجهات النظر حول تقدير الخسائر واختلافها بين المصارف والحكومة. لكن في جميع الاحوال، هذه الارقام تغيرت كثيراً بسبب تسارع الاحداث والتدهور الاقتصادي والنكبات التي مرّت على البلد منذ ذلك الوقت.
ويبدو انّ المصارف كانت أول من تحرّك قبَيل استئناف انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد، على اعتبار انها الأكثر تضرراً من خطة التعافي المالية، فقد توجّه للغاية الاسبوع الماضي وفد من جمعية المصارف برئاسة سليم صفير إلى باريس للقاء المسؤولين المصرفيين والماليين الفرنسيين. وقد شملت اللقاءات مسؤولين فرنسيين أبرزهم المبعوث الفرنسي المكلف متابعة نتائج مؤتمر «سيدر» بيار دوكان، ومساعد مدير الخزانة الفرنسية برتراند دومون، ومساعد مكتب وزير الخارجية إيمانويل بويزي – جوفان، ورئيس مجموعة الصداقة اللبنانية – الفرنسية في البرلمان ومجلس الشيوخ الفرنسيين.
حرص وفد المصارف خلال هذه اللقاءات على إيصال موقف الجمعية من خطة الحكومة ومشروعها للنهوض الاقتصادي وشرح حقيقة الأرقام المالية للدولة، وإظهار الفرق بين المقاربة التي اعتمدتها الجمعية والمتعارضة مع مقاربة الحكومة والأرقام التي قدّمتها حكومة حسان دياب، لكي يمتلك الجانب الفرنسي المعلومات اللازمة ليستند إليها لمساعدة لبنان على التفاوض مع الصندوق، وذلك قبل زيارة وفد البنك المركزي الفرنسي إلى لبنان لبدء التدقيق في حسابات مصرف لبنان. ولم يغفل الوفد المصرفي تسويقه لمخارج الأزمة من خلال إنشاء الصندوق السيادي لأصول الدولة، مقترحاً أن يشمل الصندوق أصولاً منها 1,1 مليار متر مربّع من الأراضي التي تملكها الدولة وهي غير مستخدمة وبإدارة مصرف لبنان، لاستثمارها مقابل تخفيف الدين الذي سبّبته الدولة.
وفي موازاة تحرّك المصارف، برز منذ حوالى يومين موقف في السياق نفسه لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أعلن فيه انه سينحاز إلى الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وأنه سيعمل على «مواءمة موقفنا مع موقف الحكومة حتى لو كانت هناك خسائر».
وقبَيل استئناف المفاوضات مع صندوق النقد لا بد من التوقف عند التغييرات التي ستطال الخطة والعناوين الجديدة التي يجب ان تحملها.
يقول الخبير المصرفي نسيب غبريل لـ»الجمهورية» انه عندما جرى إعداد خطة الحكومة للانقاذ المالي لم يتم الاخذ برأي المعنيين من جمعية المصارف ولا القطاع الخاص ولا الهيئات الاقتصادية، لذلك أتت الخطة بعيدة من الواقع ولا تأخذ بالاعتبار مصلحة الاقتصاد اللبناني إنما تعطي الاولوية لإرضاء صندوق النقد.
إنطلاقاً من ذلك، شدّد غبريل على ضرورة ان تكون مقاربة الحكومة الجديدة مختلفة عن سابقتها، والأهم انه يجب عليها ان تأخذ برأي مكونات أساسية للاقتصاد في هذه الخطة، لا سيما في ما يتعلق بالدين العام حيث يجب الاخذ برأي جمعية المصارف والمصارف التجارية ومصرف لبنان.
كما يجب توزيع الأكلاف بطريقة عادلة وليس تحميل القطاع المصرفي وحده كامل كلفة الأزمة، وإعفاء القطاع العام من اي مسؤولية، علماً انه السبب الرئيسي فيها من خلال سوء إدارته، وسوء الحوكمة وعدم الشفافية وارتفاع نفقاته 150% بين 2005 و2019. أضف الى ذلك انه خلال معظم هذه السنوات لم يكن للحكومات المتعاقبة موازنة، الى جانب احتكار القطاع العام لقطاعات حيوية أدّت الى سوء إدارته من الكهرباء الى الاتصالات الى المياه الى المرفأ… إضافة الى التوظيف العشوائي بحيث دخل القطاع العام بين الاعوام 2014 و2018 نحو 31 ألف شخص، ووجود على الاقل 90 مؤسسة عامة وهيئة مستقلة انتفى سبب وجودها وعملها…
وشدد غبريل على ضرورة أن يخضع القطاع العام (من وزارات ومؤسسات عامة…) الى تدقيق جنائي ومالي على غرار ما بدأ يحصل في مصرف لبنان.
وأوضح غبريل، رداً على سؤال، انّ صندوق النقد لم يأت بشروط مسبقة إنما أتى بتوقعات من السلطات اللبنانية، وهي ما يجب ان تشكّل اولوية في عمل الحكومة العتيدة لا سيما منها إقرار قانون الكابيتال كونترول، تعديل موازنة 2020 لتتضمّن خطة تصحيح للمالية العامة على المدى المتوسط ووضع تصوّر لآلية توحيد سعر صرف الدولار في السوق اللبناني، التدقيق الجنائي في مصرف لبنان على ان يليه تدقيق في مؤسسة كهرباء لبنان.
تغييرات في أرقام الخطة؟
بعد الاحداث المتسارعة التي يمر بها لبنان دوريّاً، بات من الضروري اعادة النظر بأرقام خطة الحكومة. إلى جانب اعادة النظر في الخسائر وكيفية احتسابها وتوزيعها، يجب التوقف عند حجم تراجع الودائع المصرفية والتي سجّلت ما بين أيلول 2019 ونهاية حزيران 2020 انخفاضاً بنحو 28 مليار دولار، ومنذ مطلع العام حتى نهاية حزيران تراجعت محفظة القروض الى القطاع الخاص 9 مليارات دولار. وبرأي غبريل «صحيح انّ هذه الارقام اساسية، إنما أهم ما يجب ان يتغيّر في الخطة السابقة هي منهجية احتساب الناتج المحلي والتي يجب ان تكون أكثر علمية، أضف الى ذلك توقعات النمو المختلفة كلياً الى جانب الانكماش الاقتصادي الذي من المتوقع ان يتراوح ما بين 22 و 24% في نهاية العام 2020».