أكد وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل، في كلمته في الجلسة العامة لمناقشة مشروع موازنة 2022 أن “أكثر من ثلاث سنوات، ولبنان يواجه أزمات مالية، نقدية، اقتصادية، اجتماعية، صحية وبنيوية في ظل حصار اقتصادي خانق، مست بكافة مؤسساته ومختلف القطاعات، وخلخلت الاستقرار الاجتماعي”.
وقال أمس الجمعة: “لقد أتت حكومتنا، كـ”حكومة طوارئ”، في ظل تدهور العملة المحلية، واستمرار حاد لتقلبات أسعار الصرف، ونسب تضخم فاقت الـ100 في المائة، وركود اقتصادي على مدى أربع سنوات متتالية، وانخفاض في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50 في المائة، لكي تعتني بحاجات المواطنين ككل، على أثر الأزمات المتتالية، لا سيما، حاجات أكثر من 260 ألف من العاملين في القطاع العام بكافة أسلاكه ومتقاعديه، لتؤمن الحد الأدنى من التغطية الصحية، والعطاءات، الى جانب المنح الاجتماعية”.
وشدد على أن “هذا الأساس، تم إعداد مشروع الموازنة العامة لعام 2022، التي تمثل برأينا موازنة طارئة، تهدف الى معالجة الأوضاع المعيشية الراهنة للمواطنين، لا سيّما، الأوضاع الصحية والاجتماعية، كونها الأكثر إلحاحاً، كما، ويهدف الى تأمين الاستقرار المالي والنقدي من خلال تصحيح أثر التشوهات الناتجة عن الأزمات المتتالية. وهذا ما حصل في كثير من دول العالم بداية، والتي ألحقتها في ما بعد بخطوات إصلاحية، وهكذا سيكون الحال أيضاً في لبنان خلال العام 2023، والانتقاد أنها موازنة مجردة من رؤية إصلاحية، ليس انتقاداً صائباً إطلاقاً، لأن التصحيح بعد الانهيار هو أول مراحل الإصلاح”.
وتابع: لا يخفى على المجلس الكريم، نقاط أساسية لا بد من ذكرها، إن تدهور سعر الصرف وتعدده كبد المالية العامة خسائر كبيرة على صعيد الإيرادات، التي تراجعت من 22 في المائة كمعدل وسطي ما قبل الأزمات، الى 10 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، في حين أن الإيرادات الداخلية تبقى المصدر الأبرز لتمويل النفقات نظرا لعدم إمكانية اللجوء الى الأسواق المالية بعد التعثر عن دفع المستحقات للجهات الدائنة”.
وأردف: “أنه على أثر تدهور سعر الصرف أيضا ومع تقلص الإمكانيات التمويلية المتاحة تراجع الإنفاق العام من نحو 30 في المائة خلال عامي 2018-2019 الى 12 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، وبالأخص تراجع الإنفاق الأولي أي الإنفاق خارج خدمة الدين بما في ذلك رواتب وأجور ونفقات تشغيلية من معدل 20 في المائة ما قبل الأزمات المتتالية الى 9 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، مما انعكس سلبا على إنتاجية العمل في الإدارات العامة وقدرتها على تلبية احتياجات المواطنين وتأمين الخدمات العامة بالشكل الأنسب”.
وأضاف: “إن تراجع الإنفاق الاستثماري الى مستويات متدنية جدا 0.1 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، حال دون عملية النهوض الاقتصادي وتأمين نسب نمو وفرص عمل كافية. وعلى خلفية كل هذه التطورات، جاء مشروع موازنة 2022 لتصحيح الأوضاع المالية والمعيشية كمرحلة طارئة قبل السير بالعمل على الإصلاحات الهادفة الى التعافي المالي والاقتصادي على المدى المتوسط”.
وقال: “مرت أكثر من ثمانية أشهر على العام 2022 والموازنة لم تقر، وبالتالي فإن الواردات التي كانت مرتقبة في مشروع الموازنة للعام 2022 لن تحصل بالكامل نظرا لعدم تفعيل الإجراءات التصحيحية المرجوة في مواد الموازنة، وبما أن سعر الصرف المعتمد لاستيفاء الرسوم والضرائب في مشروع الموازنة (20.000 ل.ل. للدولار الاميركي) كان المحور الأساسي في تقدير إيرادات الموازنة عند إعدادها، أتى تعديل الإيرادات المرتقبة بعدما تعذر التوافق على السعر المقترح، آخذا بعين الاعتبار تطبيق السياسات التصحيحية خلال الأشهر الأخيرة فقط من العام وفق سعر صرف مقترح يقل عن سعر الصرف المعتمد في مشروع الموازنة. مع التأكيد أن اعتماد سعر صرف 20.000 ل.ل. كان ليخفض العجز المرتقب أقله 27 في المائة مقارنة مع اعتماد سعر الصرف المطالب باعتماده، أما على صعيد الإنفاق ما زالت المالية حتى اليوم تصرف على قاعدة الإثني عشرية، مما يحد سقف الإنفاق لعام 2022 فيبقى المصروف الفعلي المرتقب ما دون مجمل اعتمادات مشروع الموازنة العامة، كما وأن غياب مصادر تمويلية (خارج الإيرادات الداخلية) يبقي الإنفاق المصروف محدودا، فالإمكانيات التمويلية المتاحة اليوم تحد من مستويات الإنفاق العام”.
وأردف: “بناء عليه، وعلى أثر جلسات المناقشة المتتالية في لجنة المال والموازنة تم اقتراح تخفيض سقف الإنفاق في مشروع موازنة 2022 من 47.328 مليار ل.ل. الى 37.859 ل مليار ل.ل. لضبط عجز الموازنة حرصا على الاستقرار المالي والنقدي. وبالتالي فقد أصبح عجز الموازنة المرتقب نحو 13500 مليار ل.ل. اي ما يوازي 36 في المائة من مجمل الإنفاق، ويبقى توحيد سعر الصرف على صعيد الاقتصاد الكلي، هو ركيزة سياسة التعافي والاستقرار، واعتماد أسعار صرف متقاربة، لجهة تحصيل الإيرادات والإنفاق يصب في هذا الإطار ويضمن ضبط العجز المالي. فإن استيفاء الرسوم والضرائب على أسعار صرف تتقارب من منصة صيرفة هو الخيار الوحيد المرجو، لإن اعتماد أسعار صرف ما دون ذلك لتحصيل الواردات، في حين أن الخزينة غالباً ما تنفق على أسعار صرف صيرفة وما فوق، تؤدي الى فجوة في التمويل مما يشكل ضغوطات متفاقمة على الوضع النقدي ومن ثم على الأوضاع المعيشية في البلاد”.
واستطرد: “على سبيل المثال، فإن الدولة تنفق اليوم على أسعار صرف صيرفة وأسعار صرف السوق بالنسبة للاشتراكات والمساهمات في المنظمات الدولية وتسديد خدمة الدين العام في العملات الأجنبية بالنسبة للقروض الميسرة كما لتغطية شراء المحروقات وغيرها من المواد والمستلزمات التشغيلية، بينما لا تزال تحصل الإيرادات على سعر صرف 1500 ل.ل. كما أن توحيد سعر الصرف يساهم في الحد من اللامساواة الاجتماعية الناتجة عن تعددية أسعار الصرف وعن اغتناء شريحة من المجتمع على حساب غيرها، فتأتي السياسات التصحيحية الضريبية للحد من التهرب وتعزيز الالتزام الضريبي وإعادة توزيع الدخل من الشرائح المستفيدة من الوضع الحالي نحو الشرائح المهمشة، ما يؤمن التوازن والعدالة الاجتماعية، ركيزة الأمان الاجتماعي، دولة الرئيس، لا يخفى على المجلس الكريم، أن من الإجراءات التصحيحية في مشروع الموازنة، وقد تكون أهمها لناحية تحصيل إيرادات إضافية من غير ذوي الدخل المتوسط والمحدود، تلك المتعلقة بإعادة تقييم قاعدة استيفاء جميع الضرائب والرسوم ومنها الاستيراد أو ما يعرف بالدولار الجمركي الذي سيحد من التهرب الضريبي والبيع في السوق غير الشرعية ويزيد من مداخيل الدولة ويسهم في تغطية عجزها، إضافة إلى دعم القطاعات الإنتاجية لا سيما قطاعي الزراعة والصناعة في لبنان. وقد يكون الهدف الأساسي من وراء شيطنة ما يعرف بالدولار الجمركي الذي يمثل خطوة تصحيحية هو إلغاؤه بهدف المحافظة على مصالح المستفيدين من الإبقاء على اعتماد سعر الصرف الرسمي، وذلك على حساب خزينة الدولة التي هي بأمس الحاجة لمداخيل إضافية للإنفاق على تأمين العطاءات الاجتماعية والخدمات العامة للمجتمع بأكمله”.
وتابع: “فإن أثر تطبيق الدولار الجمركي على الأسعار يبقى محدوداً لا سيما في ما يخص غالبية السلع الاستهلاكية الأساسية حيث أن معظمها (أي أكثر من 50%) معفى من الرسوم الجمركية باستثناء تلك التي يقابلها صناعة محلية أو زراعة وطنية منافسة بهدف حمايتها، ويبقى معدل ارتفاع الأسعار (وهو مقدر أن لا يتجاوز الـ 5%)، متواضعاً مقارنة مع المخاطر الناجمة عن عدم تطبيقه وغيره من السياسات التصحيحية. فإن تدهور سعر الصرف الناتج عن أي خلل مالي يفاقم نسب التضخم وينعكس ارتفاعاً أكبر في الأسعار”.
وقال: “اليوم نحن بحاجة لاتخاذ قرار حاسم تجاه السير في تطبيق السياسات التصحيحية، ولا سيما الدولار الجمركي كونها جميعها تصب في عملية التعافي والنهوض الاقتصادي ليس فقط من جهة ضبط العجز المالي، بل أيضا من جهة أثرها الإيجابي على الوضع النقدي والاقتصادي وتفعيل الالتزام الضريبي لأن الحد من التهرب الضريبي عبر اكتشاف المكتومين والحد من استغلال الثغرات القانونية والتطبيقية وسيؤدي حتما الى زيادة الإيرادات الضريبية دون فرض ضرائب جديدة أو زيادة معدلات ضريبية، مما يسهم في توفير فرص عمل متكافئة وتقليص العجز في الميزان التجاري وبالتالي، ينعكس إيجابا على ميزان المدفوعات”.
وختم: “فإن الوصول الى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين Staff level Agreement كان خطوة مهمة، فالاتفاق لا ينص فقط على سياسات إصلاحية هيكلية على الصعيد المالي النقدي، المصرفي، المؤسساتي والاجتماعي بل ايضا له أبعاد جوهرية من شأنها أن تساهم في إعادة الثقة بلبنان وأن تعطي حافزا ايجابيا لإعادة احتضانه مجددا من قبل جميع الدول المانحة. ومن أهم مندرجات هذا الاتفاق، إقرار موازنة 2022، وإن مشروع موازنة 2022 التصحيحية سوف يتكامل مع مشروع موازنة عام 2023 الذي سيكون منسجما مع خطة التعافي الاقتصادي التي تبنتها الحكومة في شهر أيار 2022، والذي سيأخذ بالاقتراحات المناسبة”.