لا صوت في البقاع يعلو فوق صوت المحتاجين والفقراء، في ظلّ غياب فعلي وكلّي لآلية دعم المواد الغذائية والزراعية والمحروقات من شأنها استنهاض البلد من أزمته، وإذ بالتجّار دأبوا منذ أن أُقرّ الدعم على “فذلكة” أساليب سرقته بطرق ملتوية.
فكما اختفت المواد المدعومة عن الرفوف، بين التهريب الى سوريا والتخزين، عادت المخزّنة الى السوبرماركات بسحر ساحر، إنما بأسعار متفاوتة بين المدعوم والحرّ، ليصل سعر كيلو السكر الى 1800 ليرة بدلاً من 3500 فيما السعر الحرّ 5000، وكذلك الرز والزيت النباتي وجميع باقي السلع المدعومة. وهذا ما يكشف أنّ آلية الدعم فاشلة، وتحتاج الى تطوير وترشيد وإعادة نظر لكي تصل الى المواطن مباشرة. هناك من يرى انه بدل أن يذهب الدعم الى جيوب المهرّبين والتجّار، بإحتكارهم لسلع غالبيتها ليست اساسية، لماذا لا يذهب الى دعم القطاع الصناعي الغذائي لتقليص نسبة البطالة، أو أن تعمد الحكومة الى استيراد المواد الغذائية وتسليمها الى التجار والموزّعين ضمن جداول إحصائية، لأنّ ما يحصل اليوم هو أنّ غالبية السلع التي فُقِد أثر دعمها، عادت الى السوق بأسعار أقلّ من الحُرّ وأكثر من المدعوم، وعلى عين وزير الاقتصاد، لتذهب ملايين الدولارات الى جيوب التجّار والمستوردين والمحاسيب لأنّ آلية التوزيع تخضع للإستنسابية.
ضاهر: سرقة موصوفة
ويصف عضو لجنة الإقتصاد النائب ميشال ضاهر ما يحصل بأنه سرقة موصوفة للمال العام، ولمبالغ كبيرة” ويقول: “يتم وضع الإعتماد المالي من بعض التجّار للمواد الغذائية في مصرف لبنان بالليرة على سعر صرف 1515، فيتم تحويل المبلغ بالدولار الى حساب التاجر، بناء على قيمة سعر المنتج الذي يحدّده التاجر في منشئها مغايراً لسعره النهائي، من دون أن تحدّد الوزارة سعر الدعم للمنتج، مثلاً السكر، سعر الطن منه 400 دولار، لا يعقل ان يتم دعمه بأسعار تتجاوز الـ400، وكذلك الزيت والرز وغيره، لأنّ وفق الآلية المتّبعة يتحوّل فارق السعر دولارات على سعر صرف السوق السوداء، وما يزيد الطين بلّة هو احتكار بعض التجار المتموّلين السلع وتخزينها الى حين رفع الدعم، وبالتالي لا يصل الى المواطن إلا القليل منها”.
ويتابع ضاهر: “إستمرار الدعم بهذه الآلية استنزاف للخزينة العامة، والسلع الأساسية التي تحتاج الى دعم لا يتجاوز عددها الـ 30 سلعة، ومن غير المعقول دعم الكاجو والفياغرا على حساب الفقراء، فبدلاً من دعم السلع غير الأساسية لا بد من دعم الصناعة الوطنية لأنّها توفر فرص عمل”. ويختم: “لا بد من خلق آلية دعم تصل مباشرة للمواطن لا أن تمرّ عبر نفق الإحتكار والإبتزاز، فالتجّار يشترون السلع ويخزّنونها حتى رفع الدعم ليبيعوها بأسعار مضاعفة”.
مواد تقارب انتهاء الصلاحية
ومع عودة المواد الغذائية المدعومة، من معلّبات واكياس حليب وغيرها، ظهر أنّ تاريخ مدّة صلاحيتها يوشك على الإنتهاء بين الشهر والـ 20 يوماً، فيتم بيعها بأسعار على أساس انها مدعومة، ممّا يؤكّد غياب مراقبي وزارة الإقتصاد وترك المواطن لجشع التجّار.
وفي هذا السياق، أكّدت ربّة المنزل رفيدة رابعة وجود سلع تشارف على انتهاء صلاحيتها، وقالت: “اشتريت لطفلتي كيس حليب “نيدو” مدعوماً، وتبيّن بعدما فتحته أنّ صلاحيته تنتهي بعد 20 يوماً فقط”. وسألت المعنيين: “كيف يُعقل أن يتمّ استيراد مثل هذه المواد الغذائية كحليب أطفال وتاريخ انتهاء الصلاحية قريب؟”.
كذلك، وجد عامر المحمّد الذي اشترى معلّبات من تونا وسردين أن تاريخ صلاحيتها شهر واحد، وقال: “كانت المحلات سابقاً تبيعنا مثل هذه السلع بنصف ثمنها، أما اليوم فيبيعونها لنا على اساس انّها مدعومة”.
تقاذف المسؤوليات
ويتقاذف المستوردون وأصحاب السوبرماركات المسؤولية، ويشرح أحد المستوردين لـ”نداء الوطن” أن ّالمشكلة في ملعب التجّار الموزّعين، ولا يمكن للمستورد ان يسأل كل مستهلك بكم اشترى هذه السلعة. ويقول: “يتّهموننا بأنّ المستورد هو رأس المشكلة، وبأنّه من يحتكر السلع، نحن استوردنا بضائع في فترات سابقة وبالدولار وكمّيات منها لا تزال في المستودعات، فوِفق أي سعر نبيعها؟ ومن يتحمّل خسائرها اذا بِعناها بالسعر المدعوم؟ لذلك احياناً نجمع عدد الكمية بالسعر الحرّ وبالكمية بالمدعوم ونجري عملية حسابية، نجمع الكلفتين ونقسم الناتج على اثنين، وهكذا نحاول ان نعوض خسارتنا”.
لا يُخفي حليم عوض، مدير سوبرماركت في البقاع أن السلع المدعومة بدأت تظهر على اساس انها ليست مدعومة، ليتم شراؤها من التجّار بعد تخزينها في فترات لاحقة، للسوبرماركات والمحلات بأسعار منافسة للسلع الحرة. ويعترف أنه يشتريها من السوق بأقلّ من سعر البضاعة الحرّة، ويقول: “اشتريت كمّية من السكر كيس الـ 25 كلغ بـسعر 83250 ليرة بفارق عن سعره المدعوم 40 الف ليرة، وبأقل من سعر الحرّ بـ21 الف ليرة، واشتريت كمية من الرز المدعوم، كيس الـ 25 كلغ بـ 60 الف ليرة، اغلى من السعر المحدّد للمدعوم بـ17 الف ليرة، وارخص من السعر من دون دعم بـ 65 الف ليرة، والزيت النباتي مثله مثل باقي المواد والسلع التي تعرّضت للإحتكار”. ويتابع: “يأتي التجار لتخييرنا بين الحرّ غير المدعوم وبين المدعوم بسعر غير شرعي، فنشتري المدعوم غير الشرعي، وبالتالي نبيعه بسعر ينافس الحرّ.