يبدو انّ البَتّ في تحديد سعر جديد للدولار المصرفي مستبعد في الفترة الراهنة، رغم تحديد رئيس الحكومة موعداً لذلك في نهاية شهر أيار. والخلافات بين الاطراف الثلاثة، مصرف لبنان والحكومة ووزارة المالية، لا تزال على حالها وقد أتت تصاريح كل طرف لتؤكّد ذلك.
بعد التصريح الاعلامي الاخير لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقابلة تلفزيونية، والذي اعلن فيه عن وجود نية بتعديل الدولار المصرفي نهاية الشهر الحالي، خرج تصريح مؤخرا على لسان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري يؤكد فيه أنه «لن يقبل بأي إجراء غير قانوني في حق المودعين لجهة سعر الصرف غير السعر المعتمد في مصرف لبنان أو أي إجراء آخر». فهل يُعيد هذا التصريح خلط اوراق الدولار المصرفي، خصوصا بعدما كانت قد حسمت التقديرات ان الدولار المصرفي سيتراوح ما بين 25 الفاً و 30 الفاً للدولار الواحد؟ وهل يمكن ان نَستشف من هذه التصاريح والتناقضات ان لا تحديد لسعر الدولار المصرفي في القريب وان الملف بات في مهب الريح؟
في السياق، تؤكد مصادر مطلعة متابعة لـ«الجمهورية» ان لا توافق ولا غطاء سياسياً بعد على تحديد سعر جديد لدولار المصارف لأنّ القرار الجديد المنوي اتخاذه، أي تحديده بـ 25 الفاً، لن يرضي المودع الذي سيظل يتعرّض لهيركات كبير وسيكون مادة تجاذب سياسي للتصويب على السلطة مجدداً، بسبب هدرها لا بل نحرها حقوق المودعين. وتالياً تستبعد المصادر اي قرار في هذا الخصوص طالما ان لا استعداد بعد لرفع السعر الى سعر الدولار المعمول به في بقية المعاملات أي 89500 ليرة.
وتابعت المصادر: ان حاكم المصرف المركزي بالإنابة نأى بنفسه من البداية عن تحديد سعر الصرف وهو راهناً يسجل الدولار في دفاتره 89500 ليرة، الا انه يعطيه للمصارف بسعر 15 الفاً. وهو بذلك يسجّل هذه العملية على انها ارباح للمركزي. وأمّا قوله انه لن يقبل بسعر صرف غير ذلك المعتمد في مصرف لبنان، فهو لا يعني انه لن يقبل بسعر صرف تحدده الدولة، اذ جل ما في الامر وفي خفايا هذا التعبير انه ينأى بنفسه عن هذه العملية وعن تحديد سعر صرف جديد لدولار المصارف ليظهر بذلك انّ ما يصرّح به يتوافق مع توجهات صندوق النقد الدولي لجهة توحيد سعر الصرف.
حمود: التغيير مستبعد
في السياق نفسه، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية» انّ الاستمرار بطرح تحديد دولار المصارف بـ 25 الفاً هو امر معيب، إذ يفترض بالحكومة ان تحمي الضعيف والمودع هو الحلقة الاضعف والذي يفترض بدولته ان تحميه، فلمصرف لبنان قوته وللمصارف قوة لا يستهان بها. هنا نسأل: كيف تقبل الدولة ان تجبي ضرائبها من المواطن على سعر 89500 ليرة وتعطيه وديعته وجنى عمره بـ 25 الفاً وتسعى الى تشريع ذلك بقرار؟ حتى انّ مصرف لبنان عندما حدّد سعر الدولار المصرفي بـ 15 الفاً جعله اختيارياً، أي على المودع ان يختار ما اذا كان يريد السحب وفق هذا السعر ام لا، بينما تحاول الحكومة اليوم تشريع قرارها هذا.
تابع: اذا اصدرت الحكومة قراراً حدّدت فيه سعر الدولار المصرفي ولم يوافق المركزي على بيعه بالسعر المحدد فإنه لن يدخل حيّز التنفيذ، كما انه لا يوجد أي مصرف سيقبل ان يبيع دولاراته الحقيقية لدفع اللولارات للمودعين، رغم ان هذه العملية مربحة له، لأنها تخلّصه من مسؤوليته القانونية تجاه المودعين بثلث القيمة او بربعها.
وردا على سؤال، استبعد حمود ان تعمد الحكومة الى تحديد سعر دولار المصارف هذا الشهر، معتبراً ان تحديده يجب ان لا يطرح من جانب الحكومة لأنه معيب بحق مواطنيها ويُظهِرها بصورة الذئب بدل الراعي الصالح. كما يجب على المصرف المركزي أن لا يقبل بهذه التسعيرة لسببين: الاول لأنها تتعارض مع توجّهه وحديثه الدائم بتوحيد سعر الصرف، والثاني لأنه لا يجوز له بعد ان اخذ اموال المصارف واموال المودعين ان يعيدها لهم بالعملة التي يطبعها بأقل مما يُسعّرها.
الى ذلك، اعتبر حمود انه اذا كان تصريح ميقاتي الاخير برفع سعر دولار المصارف هو لتضييع الوقت فقط فهذه مصيبة، وإذا صدر القرار وتم تحديد دولار المصارف بـ25 الفاً فالمصيبة أكبر، لأن الحكومة تستكمل نهجها السائد منذ بدء الأزمة بتذويب الودائع بسعر دولار لطالما كان ظالماً. والان يتحدثون عن 25 الفاً فيما تُستوفى الضرائب وفق دولار 89500 ليرة.
ورأى حمود انّ وراء اصرار الحكومة على تحديد دولار المصارف بـ 25 الفاً هدفاً خبيثاً ليس الغرض منه اعطاء المودعين اموالهم، إنما الـ short position التي تحملها المصارف بعدما باعت لولاراتها ان يحتسب عجزها وفق دولار 25 الفاً بدلاً من 89500 ليرة، فتصبح فجوة المصرف اقل وقيمة التزاماته اقل.
وعن حجة تسعير الدولار المصرفي بأقل من قيمته حفاظاً على حجم الكتلة النقدية في السوق وتجنّباً لأي اهتزار بسعر الصرف، قال: هل تجوز سرقة اموال المودعين بحجّة عدم ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء فتتواصل سرقتهم؟ لماذا لا يعمد المركزي الى خفض مبلغ السحب المُتاح شهرياً من 1600 دولار الى 200 او 400 دولار شرط ان يُعطى بالسعر الحقيقي المعتمد في السوق، اي 89500 ليرة؟