كان طرح مشروع تخفيض الرواتب والتقديمات للمتقاعدين في القطاع العام والسلك العسكري كفيلاً بخلق موجه اعتراضات ترجمت اضرابات واعتصامات على الطرقات، وخلقت بلبلة فاجأت الحكومة التي ارجأت اجتماعاتها الى ما بعد عطلة عيد الفصح.
وفيما تهافت النواب والمسؤولون الى ابداء رأيهم واعتراضاتهم على كل ما يتم تداوله، استغرب وزير المال علي حسن خليل الاضرابات والاعتصامات القائمة طالما لم تعلن المقترحات التخفيضية. كما استغرب التداول بالحسم من رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب، وكأنها تعالج العجز، فيما هي لا تسدّ الا مبلغاً ضئيلاً لا يقاس مع عجز يفوق الـ 11 ألف مليار ليرة.
في الواقع تكثر التساؤلات عن الخيارات التي تتخذها الحكومة والتي توصف بالموجعة والقاسية، فهل يعقل ان تتجرأ الحكومة وتصلح عجز المالية العامة من جيوب الفقراء؟
وفقاً لكبير الإقتصاديين في مجموعة “بنك بيبلوس” د. نسيب غبريل “لا كلام رسمي حتى الآن عن خفض رواتب القطاع العام، والتصريح الشبه رسمي صدر في تغريدة لوزير المال تحدثت عن خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب بنسبة 50%”.
واشار الى ان “تحريف طال تصريحات بعض المسؤولين حيث فسرت بطريقة خاطئة، اذ ان المقصود بها تخفيض العلاوات وبدل الساعات الاضافية”.
وشدد على ان “ما يجري طرحه ليس افكاراً ثورية، بل بديهية تتم يومياً في القطاع الخاص، فاليوم الدولة اللبنانية تخسر ومن الطبيعي محاولة اصلاح الامور وتحويل القطاع العام من عبء على الدولة الى قطاع داعم للإقتصاد اللبناني”. وشدد على ان “40% من النفقات العامة تذهب الى كتلة الرواتب والاجور، 30% الى خدمة الدين العام و9% الى كهرباء لبنان”.
استبعاد تخفيض الرواتب
واستبعد غبريل تخفيض الرواتب بعد ان رفعت حديثاً في نهاية العام 2017، معتبراً انه ان ليس لأي موظف او متقاعد ذنب ان كانت الدولة سارت في قرارات سياسية انتخابية عند اقرار سلسلة الرتب والرواتب، بعيداً عن اي اعتبارات اقتصادية واجتماعية.
واكد ان الدولة قد تسير في عملية لإصلاح القطاع العام، وذلك عبر الغاء الوظائف الوهمية حيث جرى توظيف خلال الاربع سنوات الاخيرة، ووفقاً للأرقام الرسمية، 31 الف شخص في القطاع العام، وهذا رقم كبير جداً اذ يفوق مجموع موظفي القطاع المالي في لبنان (المصارف التجارية، شركات التأمين والوساطة المالية، موظفي مصرف لبنان”.
وشدد على ضرورة اتخاذ اجراءات حول كل موظفي القطاع العام الذين يعيشون خارج الوطن او يتقاضون رواتب وهم في منازلهم، او يتقاضون اكثر من راتب، لا سيما ان هناك توصية من لجنة الاقتصاد النيابية بموازنة 2017 تتناول هذا الموضوع، وتطلب الغاء او دمج 86 مؤسسة عامة او هيئة عامة او صندوق او مجلس موازي للإدارة المركزية، حيث لم يعد لموظفيه عمل.
ضرورة اصلاح نظام التقاعد
واذ اكد غبريل على ان “موضوع التقاعد حيوي حيث لا يجوز المس بحقوق المتقاعدين الحاليين والمستقبليين”، اشار الى “ضرورة توحيد نظام التقاعد في كل القطاع العام”.
وشدد على ان “اصلاح نظام التقاعد في القطاع العام يجب ان يتم وفقا لآلية معينة، حيث لا يمكننا اليوم العودة الى الوراء والمس بحقوق المتقاعدين، اذ انها حقوق مكتسبة لهم، فهم دفعوا من رواتبهم جراء هذه التعويضات”.
ودعا الى “اعادة النظر بآلية التعويضات وتوحيدها في القطاع العام، حيث هناك اسلاك تأخذ مخصصات نهاية الخدمة وراتب في نفس الوقت اضافة الى بعض التقديمات”.
وقال: “نعم لإصلاح نظام التقاعد، لكن ليس بخفض الرواتب الحالية او المستقبلية، بل بالنظر بطريقة احتساب المعاش التقاعدي اولاً، وثانياً بالراتب التقاعدي الذي يجب ان يكون حق مكتسب للمتقاعد وحده دون ان ترثه زوجته او ابنته. فوفقاً للقانون القائم اليوم، يبقى الراتب قائماً 80 او 90 عاماً، وهذا عبء اساسي على الموازنة ، فمعاشات التقاعد وصلت في موازنة الـ2018 الى 2 مليار دولار، اي اكثر من تحويلات الخزينة الى كهرباء لبنان”.
ولفت الى “وجود بطالة مقنعة في القطاع العام، حيث هناك موظفين ليس لديهم عمل، وقد يكون هذا الامر طبيعياً اذ ما عرفنا ان التوصيف الاداري للوظيفة في القطاع العام يعود للعام 1959، فاليوم ما يقارب الـ75% من عمال موظفي القطاع العام ليس لديهم توصيف اداري واضح”.
وشدد على ان “الموظفين التي انتفت الحاجة لهم في دوائر عدة كمصلحة سكك الحديد ومصفاة طرابلس وغيرها، يمكن إعطائهم تعويض نهاية الخدمة وفقاً لسنوات عملهم في القطاع العام. اما المياومين والذين يتقاضون حسب الساعة، فليس لديهم اي حقوق في ذمة الدولة، وبالتالي يجب وضع حد لكل من يطالب بحقوق وهمية، فهناك مسؤولية كبيرة تجاه البلد”.
واشار الى “ضرورة اصلاح قطاع التعليم الرسمي ايضاً، حيث يضم القطاع ما يقارب الـ55 الى 60 الف استاذ بين الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية والمهنية، في وقت لا يعطي الاساتذة المثبتين ساعات عمل كاملة افساحاً في المجال للمتعاقدين بالعمل”.
الاصلاحات ترسي الثقة
وفي رد على سؤال، اكد غبريل ان التحركات العمالية التي قامت اتت نتيجة كلام محرّف، اذ ان رؤية الدولة والمسار الذي ستسلكه لن يتضح قبل طرح الموازنة وتفاصيلها وبنودها.
وشدد على ان “الاصلاحات في القطاع العام ضرورية كونها تؤثر على ثقة المستهلك، والمستثمر المحلي وثقة القطاع الخاص اللبناني والمغتربين ايضاً، وثقة الدول التي شاركت في مؤتمر سيدر ووكالات التصنيف ونظرتها الى لبنان، ما يعني انه سيكون لها تداعيات مهمة على الاقتصاد اللبناني”.
وفي رد على سؤال عن حسابات الدولة اللبنانية الخاطئة في تقدير الامور ومنها تمويل سلسلة الرتب والرواتب، اعتبر غبريل ان “قرار تخفيض حجم القطاع العام والغاء الوظائف الوهمية سيكون قرار صائب. لكن يجب دراسته بعمق حتى لا نقع بأخطاء سابقة لا سيما ان اقرار السلسلة كان خطأ وما رافقه من رفع ضرائب كان أسوأ منه، اذ ادت الى ازمة سيولة في الاقتصاد وخفضت القدرة الشرائية للناس”.