على ما يبدو اصبح عمال لبنان مقتنعين بعقم الحوار مع الدولة اللبنانية، فبمجرد الحديث عن مس بتعويضات المتقاعدين في القطاع العام تداعت النقابات الى الشارع، واضطرت رئيس الاتحاد العمالي العام الى قطع سفره والعودة فوراً الى لبنان لمواكبة محاولة الإنقضاض على انجازات قد حققها والعمال في وقت سابق.
الهيئات النقابية استشعرت من التصريحات المتتالية لنواب ومسؤولين لبنانيين خطر داهم، يشير بحسب بيان هيئة التنسيق النقابية الى وجود “مؤشرات لرضوخ اطراف في الطبقة الحاكمة الى ضغوطات الهيئات المصرفية والاحتكارية وتكتل اصحاب المدارس الخاصة”، فإختارت الإضراب غداً مبقية إجتماعاتها مفتوحة لإتخاذ الخطوات في ضوء التطورات بحقها بأعلى درجات التصعيد.
دون شك، يسير لبنان نحو منعطف خطير، فوضع البلد حرج والمواطنون ايضاً، فيما يبدو ان مكافحة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة اصطدمت بجدار السياسة والطائفية، ما استدعى تحوّل سريع للإنقضاض على الطبقات الأكثر ضعفاً في النسيج اللبناني، وهم العمال.
خيارات كبيرة موجودة امام الدولة تجنّبها المس بلقمة عيش شعبها، فبإمكانها خفض عدد النواب والوزراء، ووقف معاشات ومستحقات الرؤساء والنواب السابقين الي معظمهم خارج الخدمة، ودعم المدارس الخاصة، والعمل على إلغاء المؤسسات العامة والتي يتجاوز عددها المائة في لبنان، وتضم عدداً كبيراً غير منتج ولا يؤدي دوره بفاعلية.
كما يمكنها فرض رقابة على الصفقات العمومية، التوقف عن منح ترخيص باستثمار الأملاك العامة بطريقة المناقصة أو المزايدة، وقف الإشراف الخاص على المشاريع على تنفيذ المشاريع، وقف التعاقد مع شركات الخدمات إذ تقدم الإدارات والمؤسسات العامة على التعاقد مع هذه الشركات لتوفير خدمات يؤدّيها عادة الأجراء، إلغاء البلديات التي يتجاوز عددها الألف في لبنان حيث تبين فشلها، خفض النفقات غير المنتجة وإلغاء الصناديق الخاصة والمخصصات، إخضاع مرفأ بيروت وكازينو لبنان وشركة إدارة واستثمار منشآت النفط للإدارة المباشرة للدولة اللبنانية، تخفيض حجم المشاركة في المؤتمرات الخارجية وإلغاء تكليف موظفي الخارجية بمهمات خارجية يتقاضون عنها تعويضات يومية.
يبدو ان الجميع اصبح مقتنع ان سير الدولة في الطريق الصحيح لا يتطلب الا انتفاضة واعية من اللبنانيين، تفرض إرادة وطنية حقيقية لتغيير النهج الإقتصادي. فإن اعادة الدولة الى رشدها اصبح امراً ضرورياً، اذ انها تعمل اليوم جاهدة على تحميل سلسلة الرتب والرواتب مسؤولية العجز الحاصل في ميزانية الدولة واقتراحات تخفيض العجز من خلال المس بها وبالتقديمات الاجتماعية ونظام التقاعد واجتزاء حقوق المتقاعدين، علماً انه سبق لها ان ربطت مصير السلسلة بسلة من الضرائب أتت في وقتٍ يتخبط فيه المواطن اللبناني في دوامة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتداعيات التراجع الاقتصادي في لبنان والمنطقة.
اضحى لبنان على موعد مع تطورات كثيرة في الايام القليلة المقبلة تستوجب منه السير في حقل مليء بألغام الإنهيار الإقتصادي والإنفجار الشعبي.