فصل ديوان المحاسبة في خلاف وزارة الإتصالات مع هيئة الشراء العام في موضوع الصفقة المعقودة بين شركة «تاتش» وشركة INMOBILES لتلزيم خدمة توزيع الرسائل الدولية القصيرة SMS الواردة من التطبيقات، أو ما يعرف بالـA2P. فتبنى توصيات هيئة الشراء العام في تقريرها الصادر بتاريخ 25 أيلول من العام الماضي، «لقانونيتها وموضوعيتها وإنسجامها مع المنطق السليم». وأحال الملف بدوره إلى التحقيق القضائي، لإستكمال النظر فيه وإظهار المسؤوليات وتحميل الخسائر للمتسببين بها.
قرار ديوان المحاسبة صدر عن الغرفة الناظرة بالملف برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين محمد الحاج وجوزف كسرواني، وجاء متناغماً مع توصية هيئة الشراء العام الأساسية بفسخ عقد تاتش مع INMOBILES، وإطلاق مزايدة جديدة للخدمة، سنداً للمادة 37 من العقد والتي تتيح الانهاء الاختياري له.
وقد بُني القرار على تحقيقات موسعة في إخبارين تقدم بهما كل من النائبين ياسين ياسين وإبرهيم الموسوي، وأظهرت ما إفتقدته الصفقة المعقودة من «غياب للرؤية وإمعان في ضرب قواعد الشراء العام، وإهمال وتردد، لا بل تخبط لا مبرر له، إلا إذا كان الهدف الحقيقي هو إرساء الإلتزام على شركة INMOBILES مهما كان الثمن، وليس إتباع خطوات مدروسة وشفافة للحفاظ على المال العام». كما ورد في تقرير ديوان المحاسبة.
وتوقف ديوان المحاسبة عند سلسلة وقائع مثبتة بالمستندات، تظهر إصرار وزارة الإتصالات على هذه الصفقة منذ إطلاق «تاتش» لعملية التلزيم في نهاية العام 2021، على رغم التناقضات الكثيرة التي شابتها. وكان وزير الإتصالات جوني القرم قد طلب من «تاتش» التنسيق مع «ألفا» لتوحيد الإجراءات وإطلاق مزايدة واحدة، إلا أنه بظرف سبعة أيام فقط، بين 13 و20 كانون الأول من العام 2021 عاد عن طلبه، من دون اعطاء تبرير، وهو ما اعتبره «الديوان» دليلاً إمّا على الارتجال أو على غياب الرؤية.
ظهر التناقض الأول في إتمام الصفقة بالمقابل بين لائحة المدعوين للمشاركة في هذه المزايدة، والذين بلغ عددهم 25 شركة، ولائحة الشركات المؤهلة التي لم يبق منها سوى خمس شركات من أصل عشر شركات أبدت إهتماماً بالمشاركة. وهذا ما إعتبره ديوان المحاسبة إشارة واضحة الى كون الدعوة وجهت لشركات غير مؤهلة منذ البداية.
بين الشركات التي تأهلت شركة لم تُدع بالأساس للمزايدة. وهذا ما أثار فضولاً لدى الديوان الذي مضى في تقصي الحقائق حول الملف، متوقفاً عند طلب تقدمت به شركة «تاتش» لإجراء دورة تلزيم ثانية للشركات المؤهلة، وذلك نتيجة لتقارب أرقام عروضات ثلاث منها بشكل كبير، ولفتت «تاتش» الى ما يؤمنه ذلك من مداخيل إضافية للخزينة. إلا أنّ وزير الإتصالات أصر على المضي بنتيجة فوز INMOBILES.
هذا الإصرار بدأ يثير الشبهات وفقاً لتقرير ديوان المحاسبة إثر تقدم شركتين باعتراض على النتيجة، أظهر إفتقاد الشركة الرابحة للمؤهلات المحددة في دفتر الشروط، وأبرزها سنوات الخبرة. إثر تشكيل لجنة فنية وأخرى تجارية بإشراف وزارة الاتصالات وشركة «تاتش» للتحقق من الشكوك المثارة، تبيّن فعلاً صحة ما ورد في الإعتراض، إلا أنّ اللجنة بدلاً من أن تطلب إلغاء نتيجة فوزها، أوصت بتعديل الشروط. فرأى ديوان المحاسبة في هذا التمسك، إمّا «تواطؤاً على المصلحة العامة أو خضوعاً لضغوط لم يكن بوسعها مواجهتها».
17 شهراً فصلت بين إتمام المزايدة ومضي «تاتش» بإجراءات توقيع عقدها مع INMOBILES. فاعتبر الديوان هذه المهلة مبالغاً بها وغير مبررة، ولم يقتنع بالتالي بالذرائع التي قدمها وزير الإتصالات لها، خصوصاً أنّ توقيع العقد تزامن مع إتمام عملية تلزيم الخدمة من قبل «ألفا» وما أظهره من فجوة كبيرة في الواردات المحققة بين الشركتين، فاقت العشرة ملايين يورو.
سعى وزير الإتصالات في معرض ما أظهره من تمسك بشركة INMOBILES لتعديل الأرقام التي رسا عليها عرضها، إلا أنّ ديوان المحاسبة أضاء على التناقضات التي شابت هذه العملية، من خلال كتابين صدرا بنفس الرقم ونفس الموضوع، وإنما بفارق خمسة أيام بينهما، حيث لم يظهر تعديل الأرقام سوى في الكتاب الثاني، هذا التعديل لم يطل سوى السنة الأولى من التعاقد، ولم يأت تصاعدياً في السنوات اللاحقة أسوة بالعرض الذي قدمته شركة VOX لـ»ألفا». هذا في وقت رصد الديوان تعديلاً في شروط العقد ومندرجاته ومواعيد تسديد المستحقات، بما يحقق مصلحة INMOBILES بدلاً من مصلحة الخزينة العامة.
هذه الوقائع وغيرها، أحالها الديوان إلى الغرفة القضائية المختصة، وإلى النيابة العامة لديه، وبواسطتها أيضاً إلى النيابة العامة التمييزية للتحقيق في التجاوزات. مع تأكيد مصادره على وجوب السير وفقاً لخريطة الطريق التي وضعتها هيئة الشراء العام لإنهاء العقد، وذلك عبر إطلاق مزايدة عمومية جديدة، والعمل في هذه الأثناء على تعديل العقد الموقع مع INMOBILES بمفعول رجعي إعتباراً من تاريخ نفاذه، لإعتماد ذات السعر الإفرادي وذات الحد الأدني السنوي لعدد الرسائل النصية المعتمد في العقد الموقع بين شركة «ألفا» وشركة Vox Solutions على أن يفسخ عقد الشركة عند إنتهاء المزايدة العمومية.