الروبوت والذكاء الاصطناعي: مبدعون لبنانيون تنقصهم الموارد

في بلدٍ اعتاد أن يختبر أحلام شبابه على حافة الإطفاء، تأتي مبادرات مثل بطولة الروبوت السنوية لتقترح سردية مضادّة: أن المدرسة والجامعة ليستا مجرد فضاءين لتلقّي الدروس، بل ورش عمل حيّة لإعادة تخيّل المستقبل وصناعته. تعليمٌ لا يكتفي بالنقل؛ بل يراهن على الفعل، وعلى تحويل المعرفة إلى ممارسة يومية.

من قاعة التدريب والمؤتمرات التابعة لشركة الميدل ايست في مطار بيروت، أُطلقت النسخة الحادية عشرة من بطولة الروبوت ARC11، تحت شعار “الروبوت والذكاء الاصطناعي في التعليم”. بطولة لا تُختصر بيوم إطلاقها، بل تمتدّ زمنًا ومعنى، وصولًا إلى محطّتها النهائية في 18 نيسان 2026، في مجمع الحدث في الجامعة اللبنانية، حيث تتحوّل المنافسة إلى اختبار للقدرة على الصمود والإبداع.

فهنا، في مكانٍ تتهاوى فيه الكثير من الثوابت، يُصرّ بعضهم على الاستثمار بما لا يُقصف ولا يُحاصَر: عقول الطلاب، وقدرتهم على التفكير، والابتكار، والحلم.

عشر سنوات من التراكم… لا من الصدفة

خلال عشر سنوات، شارك في هذه البطولة أكثر من 200 مؤسسة تربوية من مختلف المحافظات اللبنانية، وتنافس ضمنها أكثر من 700 فريق من مدارس وجامعات. أرقام لا تُقرأ كإحصاءات جافة، بل كمرآة لحاجة جماعية إلى مساحات تعليم بديلة، أقل تلقينًا وأكثر ممارسة، في بلد تتفاوت فيه الفرص التعليمية على نحوٍ صارخ.

هذه التراكمات، سنة بعد سنة، صنعت ما يشبه مجتمعًا صغيرًا من الطلاب والمدرّبين والمهتمين بالروبوت والذكاء الاصطناعي، خارج المناهج التقليدية، وخارج منطق الحفظ والامتحان، حيث تُقاس المعرفة بقدرتها على الحلّ لا على التكرار.

شعار تقني… أم موقف تربوي؟

تُقام نسخة هذا العام تحت شعار “الروبوت والذكاء الاصطناعي في التعليم”. شعار يبدو تقنيًا للوهلة الأولى، لكنه في العمق سياسي – تربوي بامتياز.
يشرح سميح جابر، منسق اللجنة المنظمة للبطولة، أن هذا العنوان يعكس “رؤية وطنية تؤمن بأن التكنولوجيا ليست ترفًا، بل رافعة حقيقية لتطوير التعليم، وبأن الإبداع والابتكار هما الطريق الواقعي نحو مستقبل أفضل لشباب لبنان”.

المسألة، كما يوضح، تتعلق بكيفية إدخال منطق التفكير التحليلي، وحلّ المشكلات، والعمل الجماعي إلى قلب العملية التعليمية. أي نقل التعليم من موقع التلقّي السلبي إلى مساحة الفعل والمبادرة.

نسخة مختلفة… درون وذكاء اصطناعي

في ARC11، لا تُقدَّم التكنولوجيا بوصفها أداة إضافية أو نشاطًا جانبياً. الهدف، كما يوضح المنظمون، هو إبراز كيف يمكن للتكنولوجيا أن تصبح شريكاً فعلياً في تطوير التعليم، وأن تُستخدم لفهم الواقع لا للهروب منه.

البطولة موجّهة إلى طلاب الجامعات وتلامذة المدارس، وكل من لديه اهتمام بعالم الروبوت والذكاء الاصطناعي. ومن خلال منافسات تفاعلية وممتعة، يُفتح أمام المشاركين باب نحو اختصاصات جديدة، ومهارات مطلوبة، وفرص كانت حتى وقت قريب حكرا على قلة.

وتختلف النسخة الحادية عشرة عن سابقاتها من حيث المضمون والشكل. يلفت جابر إلى تجديد القوانين، وإضافة فئة “الدرون”، إلى جانب إدخال الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر في تفاصيل البطولة، لوجستيًا وتقنيًا، “لمواكبة العصر والتحديات الجديدة”.

لكن هذا الطموح يصطدم بواقع معروف. يقول جابر بوضوح “لبنان لديه طاقات بشرية كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن ما ينقصنا هو اللوجستيات والبنى التحتية”. ثم يضيف، بنبرة لا تخلو من الإصرار “إن شاء الله شوي شوي، لأن شبابنا قدراتهم كبيرة”.

من المنافسة إلى الجماعة: ما يقوله الطلاب

بعيدًا عن الخطاب الرسمي، تكشف أصوات المشاركين المعنى الحقيقي للبطولة. وتقول ياسمينا محي الدين، إحدى المشاركات في بطولات سابقة، إن شخصيتها تغيّرت كثيرًا “صار في روح تعاون وتشجيع. لم نعد نشعر أننا أعداء. البطولة تحدٍّ، لكنها تحدٍّ صحي”.

مصطفى الخشم، الذي يشارك للمرة الأولى، يتحدّث عن التجربة ببساطة “الأمر مسلٍّ. أحب الروبوت وأتعلم وأستفيد. كنت أرغب بتعلّم لغة الروبوت، جرّبت سابقًا ولم أكن قادرًا، الآن صرت أفضل”.

أما رغد عويّد، طالبة سنة أولى في علوم الكومبيوتر، فترى في البطولة امتدادًا عمليًا لما تتعلّمه نظريًا “ساعدتني كثيرًا في الجامعة، وسهّلت عليّ البرمجة وأمورًا كنت أعرفها بفضل البطولات”.

وفي مشهد يختصر فلسفة ARC11، يقول الطفل علي سلمان “مُسلّية، وإذا خسرنا فليس في الأمر مشكلة. كل سنة نتعلّم شيئًا جديدًا، ونراكم خبرات تفيدنا في المستقبل”.

تبدو بطولة ARC11 محاولة عنيدة للإضاءة في عتمة تعليمية خانقة. لا تدّعي أنها الحل، ولا تقدّم وعودًا كبرى، لكنها تفعل شيئًا أساسيًا: تمنح الطلاب تجربة يقولون فيها، بلا تردّد، “نحن قادرون”.

مصدرالمدن - نغم ربيع
المادة السابقةأدوية مزوّرة من أوروبا: المافيا المجهولة ما زالت قوية
المقالة القادمةحركة الأسواق التجارية تتخطى العام الفائت بـ50% إلى 70% ولكن…