يحاول وزراء حكومة تصريف الأعمال تدارك انهيار رواتب القطاعين العام والخاص، فيصيغون الحلول ويطرحون الزيادات ويعدّون القرارات. لكن كل ذلك يبقى من دون جدوى طالما أن مجلس الوزراء يتجاهل الانهيار المعيشي للموظفين والعمال، بكل ما يشكّله من خطر على القطاعات العامة أو الخاصة.
ولا تقتصر محاولات المماطلة والتسويف التي تمارسها الحكومة على العاملين في القطاع العام، وتجاهل مطالبهم وإضرابهم المستمر منذ قرابة العام. لا بل تطال العاملين بالقطاع الخاص أيضاً الذين تدهورت قيمة رواتبهم مع انهيار الليرة.
رواتب القطاع الخاص
في القطاع الخاص تتوالى القرارات بإدخال زيادة على الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور، من دون أن يدخل أي منها حيز التنفيذ. فبعد رفع الحد الأدنى للأجور منذ أشهر، أقرت لجنة المؤشر حديثاً زيادة جديدة وحدّاً أدنى جديداً للأجور، علماً أن أي من الزيادتين لم يصدر لها مرسوم عن الحكومة. وبالتالي، تبقى كأنها غير موجودة.
الزيادة الأولى أقرت في لجنة المؤشر منذ أشهر، وتمثلت برفع الحد الأدنى للأجور إلى 4 ملايين و500 ألف ليرة، لكن لم يسر القرار بحكم تجاهله في الحكومة، لأسباب ترتبط برغبة أرباب العمل الذين لهم اليد الطولى في قرارات رئيس الحكومة وأعضائها.
أما الزيادة الثانية، فقد أقرتها لجنة المؤشر في الساعات الماضية، وتمثلت برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 9 ملايين ليرة، أي بمضاعفة الحد الأدنى للأجور الشكلي السابق. كما تضمنت الزيادة الجديدة زيادة بدل النقل ليصبح 250 ألف ليرة، عن كل يوم حضور، ورفع سقف المرض والأمومة ضعفين.
وليس هذا وحسب، فقد أعلن وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال، مصطفى بيرم، أن هذه الزيادات ستكون خاضعة للمراجعات، تبعاً لتقلبات سعر صرف الدولار، لمراعاة العدالة في هذه المسألة. كما أعرب بيرم عن تفاؤله بإقرار المشروع المؤقت لنظام المعاش التقاعدي، باعتباره موضع توافق الجميع.
زيادات وقرارات لم تعد تستحوذ على اهتمام العاملين في القطاع الخاص لأكثر من سبب. فقيمة ما يُعد حداً أدنى للأجور، لم يعد يغطي تكلفة غذاء عائلة صغيرة من 4 أفراد على مدى اسبوع واحد فقط. إذ تعادل قيمة الحد الأدنى الجديد للأجور فيما لو تم تطبيقه نحو 83 دولاراً على أساس سعر الصرف اليوم (البالغ بين 107 و108 آلاف ليرة). السبب الثاني الذي يجعل من قرارات زيادات الأجور أمراً غير ذي أهمية بالنسبة إلى العاملين، هو عدم جدية الحكومة في التعامل معها. فعدم إصدار مراسيم عقب قرارات لجنة المؤشر، يجعل من الزيادات مجرد حبرٍ على ورق.
رواتب القطاع العام
وكما في القطاع الخاص، كذلك في القطاع العام. فقد سبق لوزير المال في حكومة تصريف الأعمال، يوسف الخليل، أن رفع مسودة مشاريع المراسيم إلى الحكومة، ولم يتم البت بها، على الرغم من عدم ملاءمتها للانهيار المعيشي الحاصل، ورفضها من قبل موظفي القطاع العام.
وتتعلّق المراسيم بتعويضات الإنتاجية وبدلات النقل لموظفي الإدارات والمؤسسات العامة والأسلاك العسكرية عن أيام العمل الفعلية، إلى غيرها من الشؤون اليومية الحياتية. وهو ما اعتبره الوزير أمراً بغاية الأهمية لإعادة العمل إلى الإدارات العامة والمؤسسات بطريقة مستدامة.
تلك الزيادات التي يتحدّث عنها، والتي يضع آماله عليها لإعادة العمل بالإدارات العامة، تتراوح بين 100 دولار و300 دولار حسب الفئات الوظيفية. بمعنى أن الفئة الأولى أو المدراء العامين فقط تطالهم زيادة الـ300 دولار. أما الغالبية الساحقة من الموظفين، فلا تتجاوز الزيادة المقترحة لهم 100 إلى 150 دولاراً للفئتين الخامسة والرابعة و200 و250 دولار للفئتين الثالثة والثانية. أما العسكريين، فيبلغ تعويض الإنتاجية الشهري المقترح 150 دولاراً للضباط العامين والضباط القادة والضباط الأعوان والرتباء، و100 دولار أميركي للعسكريين الأفراد.
وكانت “المدن” قد نشرت خلاصة مسودة المرسومين المقترحين من وزير المال. وبموجب أحد المراسيم يتم تحديد مقدار تعويض النقل اليومي الموقت للعاملين في القطاع العام، بما يعادل 5 ليترات بنزين 95 أوكتان عن كل يوم حضور فعلي، بما لا يزيد عن 18 يوماً شهرياً للسلك الإداري والعاملين في المؤسسات العامة، و12 يوماً لأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية.
على أن يُعطى الرتباء والأفراد العسكريون من رتبة معاون وما دون في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وعناصر الضابطة الجمركية، تعويض نقل يومي موقت يساوي 2.5 ليتر عن كل يوم حضور فعلي، بما لا يزيد عن 16 يوماً شهرياً.
تلك الارقام والتقديمات ورغم ضآلتها لا تزال حتى اللحظة حبراً على ورق. وليس هذا فحسب فقد طرأ حسم جديد غير مباشر على رواتب القطاع العام، التي يتم سحبها على أساس منصة صيرفة. الرواتب التي تم سحبها مؤخراً على أساس 45000 ليرة لدولار صيرفة، سيتم سحبها حالياً على أساس معدل أعلى لصيرفة. وحسب تسريبات مصرف لبنان “المتعمّدة”، يتم التوجه إلى تحديد دولار صيرفة للقطاع العام عند 60 ألف ليرة. وهو ما يقلّص من قيمة رواتب القطاع العام بأكثر من 25 في المئة.