فجأة، بسحر بيان صادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، انخفض سعر الدولار من 40,500 ليرة إلى 35 ألف ليرة، وكان مساء أمس يواصل الانخفاض. يثير هذا التطوّر المفاجئ مساء الأحد حين تكون الأسواق المالية مقفلة، شبهة حول الدور الذي يقوم به سلامة في تقلّبات سعر الصرف. فالبيان يقرّ بأن سلامة هو من كان يُسهم بشكل أساسي في ارتفاع سعر الدولار على مدى الأسابيع الماضية، وأن سياسته تقضي بمواصلة اللعب على وتر التوقعات التي كانت تميل منذ بضعة أيام إلى أن سلامة سيقوم بخطوة مماثلة عند قرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
يقول البيان الصادر عن سلامة الآتي: «بناءً على المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف سيقوم مصرف لبنان ومن خلال منصة صيرفة ببيع الدولار الأميركي حصراً، ابتداءً من يوم الثلاثاء القادم، علماً بأنه لن يكون شارياً للدولار عبر هذه المنصّة من حينه وإلى إشعار آخر».
ينطوي البيان على إقرار ضمني بأن مصرف لبنان كان ينافس الآخرين في سوق القطع، إذ كان يشتري الدولارات مهما كلّفه الثمن. وهذا الأمر كان سبباً رئيسياً وراء ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة. أيضاً يقول البيان إنه سيتوقف عن القيام بذلك اعتباراً من يوم الثلاثاء، أي أن عمليات الشراء ستتواصل يوم الاثنين. وبما أن البيان أدّى مفاعيله المتوقعة منه لخفض السعر بضعة آلاف ليرة خلال ساعتين، وربما يكون الانخفاض صباح الاثنين أكبر بعدما تهافت الناس على بيع دولاراتهم متوقعين انخفاض السعر، فإن مصرف لبنان سيواصل شراء الدولارات يوم الاثنين بالسعر الأرخص.
ويأتي البيان في لحظة سياسية واضحة، إذ إنه يواكب مسيرة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وبالتالي يسعى سلامة للقول إنه يملك زمام المبادرة، وإنه متحكّم بشكل واسع في السوق بهدف تشويه صورة عون وقت المغادرة. وهذا السلوك ليس الأول من نوعه، إذ إن سلامة قام بأمر مماثل في محطات مختلفة؛ أبرزها يوم الاتفاق على تكليف نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة. ففي هذه المحطات انخفض سعر الدولار بضعة آلاف ليرة، إنما هذا الانخفاض لم يكن مستداماً، ولا سيما أن المؤشرات الاقتصادية الفعلية تدعم توقعات سلبية في السوق على عكس التوقعات التي يروّج لها سلامة والقوى السياسية التي يعمل لديها.
يضاف إلى ذلك أنه في تلك المحطات المختلفة التي تدخّل فيها مصرف لبنان لخفض سعر الصرف، فإن السعر لم ينخفض فعلياً، بل إن الناس تقبّلوا السعر الجديد باعتباره أعلى من السابق. فالناس وافقوا على أن يكون السعر 30 ألف ليرة بدلاً من 40 ألفاً، ووافقوا على أن يكون 20 ألفاً بدلاً من 30 ألفاً (الأرقام على سبيل المثال).
أما في أصل البيان، فإن المسألة الأساسية تكمن في المادتين في قانون النقد والتسليف 75 و83. إذ إن الأولى تمنح مصرف لبنان صلاحيات واسعة لتأمين ثبات القطع من ضمنها العمل في السوق بالاتفاق مع وزير المال مشترياً أو بائعاً ذهباً أو عملات أجنبية، على أن يقيد العمليات في حساب خاص يسمى «صندوق تثبيت القطع»، والثانية تتيح للمصرف بشكل استثنائي وبالاتفاق مع وزير المال شراء العملات الأجنبية من الجمهور وبيعها منه.
بهذا المعنى، فإن مصرف لبنان كان يشتري الدولارات من الجمهور (عبر المؤسسات المالية بما فيها الصرافون) بالاتفاق مع وزير المال، وهو اليوم سيتوقف عن ذلك. لم يقل إنه سيضخ الدولارات لخفض السعر، إنما أشار في الشق الثاني من بيانه الى أنه سيواصل تطبيق ما نصّ عليه التعميم 161 لجهة الاستمرار في تمويل عملية تحويل معاشات القطاع العام إلى الدولار الأميركي بحسب منصّة صيرفة، وإتاحة السحوبات ضمن سقف 400 دولار لأصحاب الحسابات المصرفية بحسب منصّة صيرفة أيضاً، فضلاً عن أنه سيواصل ضخّ السيولة بالليرة عبر التعميم 151 (سعر الدولار المصرفي 8 آلاف ليرة)، والسيولة بالليرة والدولار بحسب التعميم 158 (ينص التعميم على سحب 400 دولار نقداً من الحسابات، و400 دولار تدفع بالليرة على سعر 12 ألف ليرة نصفها مخصصة للاستعمال بواسطة البطاقات المصرفية).