السلطة تبتزّ موظفيها: الرواتب مقابل التقاعد

أطلق الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي بين وزيري المال ياسين جابر والتربية ريما كرامي مع ممثلين عن روابط التعليم، شرارة التحرّكات النقابية بين العاملين في القطاع العام. ففي الشكل، خلص الاجتماع إلى «وعود» بدراسة تعديل الرواتب، بينما في المضمون كان واضحاً أن لا زيادات على الرواتب من خارج مشروع مجلس الخدمة المدنية الموجود في أدراج مجلس الوزراء منذ 6 أشهر. لذا، ستحمل الأيام المقبلة تحرّكات مطلبيّة ليس واضحاً مداها وحجمها المتوقع بعدما دعا عدد من روابط العاملين في القطاع العام إلى إضراب ينفذ غداً، كما قالت روابط التعليم أنّها ستطلق تحرّكات تصاعدية تصل إلى ذروتها بإضراب ينفذ يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، وذلك إن لم يدرج بند تعديل الرواتب على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء.

من الواضح للروابط أن حصر درس تعديل الرواتب بمشروع مجلس الخدمة المدنية، يهدف إلى دفعهم للقبول بتنازل مقابل تعديل قيمة الرواتب يتعلق بتعديل نظام التقاعد لسحب مكتسبات تاريخية للموظفين تضمنها مشروع مجلس الخدمة المدنية مثل خفض نسبة معاش التقاعد إلى 70% من راتب الموظف بدلاً من 85%، وإيقاف المعاش التقاعدي عن ابنة الموظف العزباء بعد بلوغها 25 سنة.

وهذه التعديلات لن تقف عند هذا الحدّ، بل ستفتح المجال واسعاً نحو إعادة البحث في أساس نظام التقاعد. وذلك أساسه أن المشروع الذي أعدّه مجلس الخدمة المدنية وُلد تحت إشراف البنك الدولي وبعثة الاتحاد الأوروبي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. وفي المقابل، لم تطّلع أي جهة نقابية على المشروع الذي يُروّج له في كلّ اجتماع يجمع وزراء مع روابط. ففي اجتماع عقد بين روابط التعليم ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي (صاحبة المشروع)، حاولت الأخيرة سحب الربط بين أي زيادة على الرواتب بمشروعها بكل ما يتضمنه باعتباره «المنقذ والمنفذ الوحيد»، إلا أنها سمعت من الأساتذة رفضاً قاطعاً لا سيما أنّهم لم يطلعوا على أرقامه وتفاصيله.

أما على ضفّة الروابط الإدارية التي دعت إلى التصعيد مثل موظفي الإدارة العامة، وموظفي تعاونية الموظفين، فقد تبيّن أن أقنعة السلطة السياسية تتبدّل وتبقى مواقفها وسياساتها واحدة في مقاربة القضايا المطلبية. إذ إن الحكومة لا تنظر إلى موظفي القطاع العام بشكل متساوٍ، بل تعمل معهم بـ«المفرق»، فتعطي فئة شيئاً من حقوقها وتمنع الحقّ نفسه عن الآخرين، إلى حين تصعيد مواقفهم واضطرارها للموافقة تحت ضغوط الإضرابات والتظاهرات.

والأمثلة على سلوك السلطة هذا كثيرة، سواء ما يتعلق بإغفال عمدي لتعديل رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، والتمييز في بدلات النقل بين الأساتذة والموظفين، وفوضى بدلات المثابرة التي تفرض على الموظفين الحضور إلى مركز العمل 21 يوماً شهرياً على الأقل لاستحقاقها بينما تحسم إذا تغيّب الموظف لأكثر من يوم واحد من دون تبرير، علماً بأن شرط الحضور يطبق حصراً على الموظفين الإداريين في القطاع العام، بينما تمكنت روابط الأساتذة من تحصيل مكسب استحقاق بدلات المثابرة حتى في العطلة الصيفية بلا حضور.

وهذا التمييز دفع الموظفين إلى مواصلة الضغط حتى فرضوا على رئيس الحكومة نواف سلام إصدار تعميم ينهي الشروط والمعايير الخاصة بإعطاء تعويض المثابرة الواردة في تعميم سابق صادر عن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. يشير تعميم سلام إلى أنّ «تعويض المثابرة اقتضته ظروف استثنائية في حينه، ولم تعد قائمة حالياً» وكأنّ رئيس الحكومة يعتبر أنّ مفاعيل الانهيار النقدي والمصرفي لم تعد قائمة وأن الرواتب عادت إلى قيمتها قبل عام 2019. رغم هذه الملاحظات، اعتبر موظفو الإدارة التعميم انتصاراً لأنّه أزال القيود التي فرضت عليهم لاستحقاق بدلات المثابرة.

وفيما كان يمكن للحكومة إزالة شروط استحقاق بدلات المثابرة دفعةً واحدةً لجميع قطاعات الموظفين، إلا أنها فضلت اعتماد «التقسيط» على دفعات لإلهاء الموظفين عن القضية الأهم، وهي تعديل الرواتب. فالإهمال الحكومي دفع الأساتذة إلى المطالبة بمساواتهم بموظفي الإدارة العامة لجهة بدلات النقل، إذ يستحق الموظف الإداري مبلغاً قيمته 450 ألف ليرة عن كلّ يوم حضور، فيما يستحق الأستاذ ثمن 5 ليرات بنزين عن كلّ يوم حضور، أي ما قيمته 365 ألف ليرة بحسب سعر صفيحة البنزين اليوم. أما المفاجئ، فكان قول الوزير جابر إنّه «لا يعلم بهذا الأمر» بحسب ما نقلته روابط التعليم في اجتماعها معه.

في هذا السياق، يفاوض الموظفون الحكومة بـ«المفرق». فالأساتذة يطالبون بـ«فصل تقديماتهم عن تقديمات موظفي القطاع العام، ومضاعفة رواتبهم 37 مرّة بشكل منفصل»، وهذا ما طالبوا به صراحةً وزير المال ووزيرة التربية ريما كرامي في اجتماعهم الأخير معهما. أما موظفو الإدارة العامة، فيطالبون بإقرار تعديل في سلسلة الرتب والرواتب من دون تقديم أيّ مشروع، ما يبقي مشروع مجلس الخدمة المدنية الذي يضاعف أساس الراتب بشكل متدرّج ولمدّة 5 سنوات، ليصل في نهاية عام 2030 إلى 42 ضعفاً لما كان عليه عام 2019. ويذكر هنا أنّ الموظف في القطاع العام يتقاضى اليوم راتباً مضاعفاً 13 مرّة عما كان عليه عام 2019.

ويشير مندوب وزارة المال في تجمع الموظفين حسن وهبي إلى «عدم الرضى عن مشروع مجلس الخدمة المدنية». لأن الملاحظات عليه كثيرة، وأهمّها أنّ «هذا المشروع سيعيد إلى الرواتب 75% من قيمتها في عام 2019، ولكن بعد 5 سنوات، والآن يتقاضى الموظف تقديمات يصل مجمل قيمتها إلى 50% من قيمة الراتب عام 2019». لذا، لا يرى وهبي في انتظار 5 سنوات للحصول على نسبة 25% إضافية على قيمة الرواتب أمراً مجدياً، بل يصفه بـ«تضييع الوقت». بالتالي، يشير نقابيون إلى أنّ «الفرصة المعطاة للحكومة لتحسين تقديمات موظفي القطاع العام ليست مفتوحة، إذ ستعود التحركات المطلبية بقوة مطلع العام المقبل»، وهذا ما يؤكّده وهبي أيضاً، مشيراً إلى حاجة الموظفين إلى حلول سريعة لأوضاعهم المعيشية.

مصدرجريدة الأخبار - فؤاد بزي
المادة السابقةالتدقيق الجنائي والمالي في أموال الدعم: الشفافية أولاً
المقالة القادمةالـ23 مليون دولار العائدة لـ«موظّف كبير» ليس مُصرَّحاً عنها | «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»: أنت وحظّك!