كان يُمكن لخبر تلقّي 15 نائباً الجرعة الأولى من لقاح «فايزر»، الذي يصل إلى لبنان بـ«القطارة»، أن يُستخدم لحثّ المُقيمين المتوجّسين على أخذ اللقاح، شأنهم في ذلك شأن مسؤولين كثر في عدد من الدول تلقّوا لقاحاتهم ضمن حملات إعلامية لتسريع عملية التلقيح، لو أنّ هناك ثقة بالأداء السياسي للطبقة التي يُمثّلها هؤلاء. إذ تشير الوقائع إلى أن 75% من اللبنانيين لا يثقون بمجلسهم التشريعي، وفق «المؤشر العربي» لعام 2019-2020، والذي تصدّر فيه لبنان قائمة الدول التي لا يرضى مواطنوها عن الأداء السياسي في بلادهم.
في معرض توضيحه لأسباب رفضه أخذ اللقاح في أواخر كانون الثاني الماضي، قال المُدير التنفيذي لشركة «فايزر»، ألبرت بورل، لـ«سي إن إن» إن ثمة لجنة أخلاقية تحدّد من يتلقّى اللقاح، كما أن هناك قوانين صارمة وضعها مركز مُكافحة الأمراض والوقاية منها، وعليه «نحن حريصون على عدم حصول بعض الناس على اللقاح قبل موعدهم». شكّل التصريح، آنذاك، مدخلاً للغوص في أخلاقيات تلقّي اللقاح، في ظلّ «معركة الأولوية» المُستعرة في كل دول العالم نتيجة الضغط الهائل على اللقاحات.
عليه، فإنّ وقاحة الأمس ليست إلا مسّاً بتلك الأخلاقيات، خصوصاً إذا ما علمنا أن نقابة الأطباء في بيروت تلقّت طوال الأسبوعين الماضيين اتّصالات و«مناشدات» من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وممرضين وممرضات ومواطنين تزيد أعمارهم على 75 عاماً لم يتمكّنوا من الحصول على اللقاح، ولم تُحدّد لهم مواعيد للحصول عليه بعد، بحسب نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف، لافتاً إلى تعذّر حصول عشرات أطباء الطب العائلي والطب العام وأطباء البنج والجراحين على موعد حتى الآن.
غالبية النواب «المحظيين»، في معرض استنكارهم لـ «الهجمة» عليهم، لفتوا في اتصالات مع «الأخبار» إلى «سقوط» نائبَين منهما جراء فيروس كورونا وتسجيل أكثر من 20 إصابة في صفوف النواب وموظفي المجلس «الذين يعقدون اجتماعات اللجان لتسيير أمور المواطنين». علماً أن «سقوط» نائبين يقابله سقوط أكثر من 30 طبيباً وإصابة أكثر من 2500 عامل في القطاع الصحي
ولعلّ المُفارقة الكبرى تتمثّل بسلوك وزارة الصحة التي كانت، أمس، «الراعي الرسمي» لهذه العملية الاستفزازية، خصوصاً أنها أتت بعد تصريح لوزير الصحة، حمد حسن، عقب افتتاحه مركزاً للتلقيح في بعلبك الأحد الماضي، تمنّى فيه «ألا نتجاوز المعايير بتمرير بعض المحسوبيات من قبل البعض»! البعض الذين كانت وزارة حسن، أمس، تشرف على تلقيحهم على عين القانون، ورغم أنف كلّ اللبنانيين.