هدأت أمس “هستيريا السوبرماركات الثانية” من نوعها خلال شهرين، والتي شهدناها في الأيام الماضية بدءاً من نهاية الأسبوع، حيث اجتاح الناس الأخضر واليابس في المحال التجارية. ففرغت الرفوف من بعض السلع مثل مواد التنظيف والزيوت والمعلبات بجميع أنواعها وغيرها من المواد، في “سباق” بين المستهلك وعدّاد تسجيل التسعيرات لدى التجار.
واللافت في هذا “السباق” بروز ظاهرة جديدة هي “تقنين السلع” في السوبرماركت على المستهلك، وحصر عملية شراء بعض المواد التي تشهد إقبالاً كثيفاً عليها بكمية محددة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة…
أما سبب هذا الإقبال، فليس بداية شهر رمضان الكريم، بل ارتفاع سعر الدولار الصاروخي من 3600 الى 4400 ليرة في يومين، فأدرك المواطنون جراء ذلك أن “ألسنة” الأسعار ستكون أكثر التهاباً لدرجة تراجع القدرة الشرائية لمواد تعتبر أساسية للبعض.
ورغم تكثيف وزارة الإقتصاد والتجارة دورياتها خصوصاً مع زيادة عدد مفتشيها بنحو 43 عنصراً بفضل تعاون وزارة السياحة، واستمرار تسطير محاضر ضبط بحق الربحية الزائدة عن نسبة 20%. إلا أن الأسعار تحلّق صوب اللامعقول (اللحمة الغنم على سبيل المثال سجل سعر الكيلو 50 ألف ليرة ارتفاعاً من 35 ألفاً و36 ألف ليرة للبقر من 25 ألف ليرة…. وحدّث بلا حرج عن المعلبات والنيسكافيه والمواد المستوردة).
“لا شغلة ولا عملة” لدى الموظفين في السوبرماركات سوى إعادة التسعير… أما المواطن فـ “لا شغلة ولا عملة” لديه سوى التفكير كيف سيحصل على السلع التي يستهلكها بتسعيرة أقلّ وبالأموال القليلة التي يحويها في محفظته والتي انعدمت قيمتها، نظراً الى تفاوت الأسعار بين سوبرماركات وأخرى.
وحول ظاهرة تحديد كمية شراء بعض السلع من قبل التجار، أوضح رئيس نقابة أصحاب السوبرماركات في لبنان نبيل فهد لـ”نداء الوطن” أن التقنين سببه “إقبال الناس في الصباح الباكر لشراء كميات كبيرة من السلع بهدف تخزينها في المنازل، فتفرغ الرفوف وتنفد تلك المواد من مخزون التاجر ومن يأتي بعد الظهر أو في الفترة المسائية لا يجد بعض الأصناف أو الماركات التي يرغب في شرائها”.
وعزا فهد إقفال أبواب السوبرماركات يوم الأحد الى حظر التجوّل وليس بهدف تغيير الأسعار كما أشيع، لأن زيادة الأسعار لا تستدعي الإقفال بل تحصل الكترونياً”. أما عن سبب منع الدخول الى قسم الأدوات المنزلية في المتاجر الاستهلاكية الكبرى، فنفى فهد الشروع في زيادة أسعارها موضحاً أن “السبب هو الإلتزام بقرارات التعبئة العامة والتي تحصر البيع بالمواد الغذائية والتي يأتي تنفيذها إعتباطياً”.
وفي ما يتعلق بالتفاوت الكبير في الأسعار لدى السوبرماركات، قال إن “التاجر لا يرفع اسعاره الا اذا استورد أو استقدم مواد جديدة من الوكيل فتتفاوت الأسعار”، مشيراً الى أن “المواد الغذائية المحلية مثل الألبان والأجبان لم ترتفع أسعارها بنسب كبيرة بل شهدت زيادة بنسبة 10% فقط”.
إذاً بين “هستيريا السوبرماركات الأولى”، حين شهدت اجتياحاً من اللبنانيين بسبب الخشية من إعلان الحكومة حالة طوارئ جراء فيروس “كورونا”، وبين “الهستيريا الثانية” بسبب الإرتفاع الجنوني لسعر الدولار وخشية المستهلك من جشع بعض التجّار لتحقيق المزيد من الأرباح…. يبقى المشترك بينهما الخوف من المستقبل ومن الجوع الذي ينهش عظام الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.