يذهب المجتمع الدولي نحو زيادة الضغط على لبنان من بوابة اللاجئين السوريين. فإعلان المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، يوم الخميس الماضي، تقليص ميزانيّتها المخصصة لتغطية استشفاء اللاجئين السوريين، يحمل الكثير من الانعكاسات السلبية على القطاع الصحي اللبناني. أما المليار يورو الذي أعلنت عنه المفوضية الأوروبية دعماً للبنان، فسيذهب قسم منه لدعم القطاع الصحي، لكن ما سيُقتطع من المبلغ العام، لن يكون كافياً لدعم القطاع، الأمر الذي دفع رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبدالله، امس الإثنين، إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي بتخصيص مبلغ مليار يورو للقطاع الصحي اللبناني.
لكن المُنتظَر من المفوضية الأوروبية، لا يلغي حقيقة أن تخفيض دعم المفوضية السامية أمر حاسم في إعادة القطاع الصحي اللبناني إلى عهد خطير، كان قد بدأ الخروج منه. ما يعني أن المستشفيات، وتحديداً الحكومية، ستواجه أوضاعاً صعبة في المستقبل القريب.
ضربة للقطاع الصحي
يستغرب عبدالله في حديث لـ”المدن” تخفيض الدعم المخصص للتغطية الصحية بدل زيادته في ظل المصاعب التي يتعرّض لها لبنان ربطاً بملف اللاجئين السوريين. وبالنسبة إلى عبدالله “شكّل الدعم على مدى سنوات، رافداً مالياً للقطاع الصحي اللبناني، فكانت التغطية جزءاً من مداخيل القطاع وساعدته على مواجهة الانهيار الاقتصادي وأزمة كورونا، سيّما وأن الدفع منتظم وسريع”.
يأتي قرار تخفيض الدعم بمثابة “ضربة للقطاع الصحي”، في حين أن أحواله كانت قد بدأت بالانتظام مع استعادة الجهات الضامنة بعضاً من قدرتها على التغطية الصحية، مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة، والتي رفعت مستوى تغطيتها الصحية. وكان منتظراً أن تضاف تغطية هذه المؤسسات إلى تغطية المفوضية السامية، فتعزّز قدرة القطاع الصحي.
لجنة الصحة النيابية دعت الحكومة إلى “التحاور مع المفوضية الأوروبية والمجتمع الدولي لحثّهم على زيادة الدعم للبنان، وتحديداً للقطاعين الصحي والتربوي، نظراً لأهميّتهما وحساسيّتهما”. وبدوره، دعا عبدالله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى “فتح ملف تغطية القطاع الصحي في مؤتمر بروكسل، لأن المطلوب هو زيادة دعم اللاجئين السوريين لا خفضه، وعبر هذا الدعم يستطيع القطاع الصحي مواجهة الأزمة”.
تحديات أمام المستشفيات الحكومية
بعيداً من النواحي السياسية المرتبطة بملف اللجوء السوري “يمكن القول بأن اللاجئين السوريين أصبحوا كأي مقيم على الأراضي اللبنانية، سواء المواطنين أو الفلسطينيين أو أي جنسية أخرى، ولا يمكن التعامل باستهتار مع أي شخص يحتاج إلى علاج صحّي، لأن هذه المسألة تتّصل بأبعاد إنسانية بغضّ النظر عن المواقف السياسية”، على حدّ قول مصادر في القطاع الصحي.
وانطلاقاً من الناحية الإنسانية، تؤكّد المصادر في حديث لـ”المدن”، أن تخفيض الدعم الصحّي “سيصعِّب الظروف الاقتصادية على اللاجئين وسيدفعهم نحو خيارين، إمّا عدم تلقّي الخدمات الصحية، أو التوجّه نحو المستشفيات الحكومية التي ستصبح أمام عبء تقديم العلاج وتحمُّل الكلفة من صندوقها الخاص، وهو أمر صعب جداً، أو أمام رفض استقبال بعض الحالات غير الحرجة، وهذا بحدّ ذاته قرار غير محبَّذ، نظراً للطابع الإنساني لعمل المستشفيات”.
ولأنه من غير المنطقي “منع الطبابة والعلاج عن أي شخص”، تضع المصادر كلام عبدالله في خانة “دق ناقوس الخطر”، لأن عبدالله “يعرف واقع القطاع الصحّي انطلاقاً من كونه طبيباً ثم رئيساً للجنة الصحة النيابية”. وإذ لا يبدو أن المجتمع الدولي، وخصوصاً المفوضية السامية، في وارد العودة عن قرار تخفيض الدعم عن مختلف الجوانب المتّصلة بحياة اللاجئين السوريين، فإن المستشفيات الحكومية ستكون أمام خطر حقيقي بعد أن كانت أموال تغطية اللاجئين “تسند القطاع الصحي”.
أمام تخفيض التغطية من جهة وإعلان المفوضية الأوروبية تقديم دعم مالي للبنان يتعلّق باللاجئين، يظهر التناقض الذي يتعامل عبره المجتمع الدولي مع ملف اللاجئين. فالرغبة بإبقاء اللاجئين في لبنان أو إعادتهم إلى سوريا وضبط هجرتهم إلى أوروبا، يعني توجيه دعم مالي إضافي للسوريين والمجتمع المضيف وقطاعاته. لكن ما يحصل هو العكس تماماً، ولذلك من غير المستبعد أن نواجه قريباً انفجاراً سيكون اللاجىء السوري وقوده. والقطاع الصحي هو البيئة الحاضنة لمثل ذلك الانفجار، لأن القطاع يغلي من داخله “فهو أمام خطر عودة انتشار الأوبئة في ظل استمرار ظهور المتحوِّرات، ومنها متحوّرات فيروس كورونا، وهو تحذير عالمي لا يرتبط حصراً بلبنان. كما أن القطاع الصحي اللبناني لم يتعافَ كلياً من آثار كورونا والأزمة الاقتصادية، ولذلك، فإن تخفيض التغطية الصحية المخصصة للسوريين، سيزيد العبء على القطاع ولن يتمكّن من علاج اللبنانيين بالصورة المطلوبة، نظراً لانخفاض التمويل”.