أعداد المغتربين الضخمة التي قصدت لبنان لقضاء فترة الأعياد، والتقديرات التي روّجت عن حجم إنفاقها المتوقع، لم تنسحب على كل المناطق السياحية اللبنانية، حيث يظهر أن الساحل استحوذ على حصة الأسد، فيما تفاوتت الحركة في الجبال بين منطقة وأخرى ومؤسسة وأخرى، ما يكشف هشاشة السياحة الشتوية الجبلية وكيف أن بعض المناطق والبلدات التي يُفترض أن تعجّ بالسيّاح والزوّار باتت شبه خالية وبلا حياة، ما خلا بعض الأيام العابرة.
«الجرد ميت»، عبارة يكرّرها العديد من أصحاب المؤسسات السياحية الجبلية. فمن ناحية، خذلتهم الطبيعة حتى اللحظة، إذ إن المتساقطات الثلجية لا زالت أقل من المرجو، فيما الوقت يداهمهم قبل رحيل المغتربين. ومن ناحية ثانية، تزداد المنافسة صعوبة مع المؤسسات السياحية الساحلية التي باتت تقدم أسعاراً تنافسية تجذب أعداداً غفيرة من رواد الجبال المعتادين، الذين باتت ترهقهم أيضاً كلفة المحروقات للوصول إلى المناطق البعيدة.
انخفاض الأسعار ساحلاً
في حصرون في قضاء بشري، التي تُعرف بوردة الجبل لجمالها وسحرها، الحياة شبه متوقفة، والبلدة الجميلة التي كانت تعج بالسياح والزوار في الشتاء تصارع الوحدة. «المنطقة ميتة، وين حصرون يلي كنا نعرفها؟» تشكو الكسندرا نوح، مديرة فندق Green Hotel ومشروعHakim’s Apartments للشاليهات في البلدة. «إنها المرة الأولى التي نغلق فيها الفندق في موسم الأعياد. أما بالنسبة إلى مشروع الشاليهات فمن أصل 13 شاليهاً هنالك 2 فقط محجوزتين. في السابق كانت الشاليهات كلّها تُحجز وأعداد المنتظرين بالعشرات. وفعلياً لا مصلحة للمؤسسة في تشغيل شاليه واحد أو اثنين، حيث تصبح الكلفة أكبر من المردود بسبب غلاء المازوت لتشغيل التدفئة والمولدات».
في إهدن، الوضع ليس أفضل حالاً، «والحجوزات لدى غالبية المطاعم في إهدن لليلة رأس السنة قليلة جداً. الوضع سيء جداً هذا العام وأنا على ثقة أننا لن نرى مغترباً. أما الموظفون والعسكريون فلم نعد نراهم» بحسب جوزف علم صاحب مطعم أسمهان. وفي مقارنة لافتة يكشف علم أن مطعمه في زغرتا بالقرب من بحيرة بنشعي «ممتلئ ليلة رأس السنة والليلة التي تليها وتسبقها، فيما الحجوزات في مطعمي في إهدن لا تتعدى 10% قبل ليلتين من حلول العيد». يستذكر علم بأسى «كيف كانت المطاعم في الميدان في إهدن تمتلئ حجوزاتها قبل أسبوعين من حلول ليلة رأس السنة، حيث تقام سنوياً حفلة عامة مجانية يقصدها آلاف المواطنين». أحد الأسباب العديدة التي أثرت على السهر في إهدن هذا العام يعيدها علم إلى «انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ في الساحل وبيروت. في السابق كانت الأسعار في مناطقنا نحو 50 دولاراً لليلة مقارنةً بنحو 300 و400 دولار في بيروت. اليوم تسهر أحلى سهرة في بيروت بـ100 دولار وأقلّ».
غياب الثلج
في اللقلوق «الشغل متراجع عن السنين الماضية، والإقبال أقل من المتوقع رغم أننا خفضنا أسعارنا بشكل ملحوظ لمحاولة استقطاب المقيمين أيضاً ومساعدتهم على الاحتفال بالعيد، ولكن رغم تخفيض الأسعار فالأمر يفوق إمكاناتهم. التعويل فقط على المغتربين»، وفقاً لميراي هاشم صاحبة مشروع Le Massif de Laqlouq الذي يضم 6 bungalows. الأسعار في المشروع تُراوح ما بين 150 دولاراً لليلة في الـbungalows التي تتسّع لأربعة أشخاص، أي أقل من 40 دولاراً على الشخص، و225 دولاراً لليلة للـbungalows التي تتسع لـ6 أشخاص. ورغم ذلك «فهنالك حجز لكلّ يوم حتى رأس السنة، ولكن ولا يوم هنالك حجز لكل الـbungalows، فيما العام الماضي كانت الحجوزات full حتى شهر شباط». تشرح هاشم «صعوبة، لا بل استحالة تسيير المشروع، حين يكون الإشغال عبارة عن bungalow واحد، نظراً إلى الكلفة الكبيرة للتشغيل من مولّدات وتدفئة وأجرة تنظيف. وللأسف الكثير من المتصلين يطلبون منا تخفيض السعر أكثر، لا قلب لنا لنرفض وفي الوقت نفسه لا نستطيع أن نخفض أكثر».
يعتبر Wood Hills resort في ميروبا من أكبر مشاريع الـbungalows في لبنان، إن لم يكن أكبرها، حيث يضم 24 bungalow. الأسعار في المشروع تبدأ بـ215 دولاراً لليلة لشخصين مع فطور واحتساب الضريبة (أي 107.5 دولار على الشخص) وذلك طيلة الفترة الممتدة من 19 كانون الأول حتى 31 آذار 2023. يوضح مدير المشروع شربل بربور أن «ثلاثة أرباع الكلفة تذهب على المازوت والتنظيفات والربح ضئيل جداً ولا يذكر». وعن الحجوزات يكشف أنها تقارب الـ%50 على أساس يومي خلال فترة الأعياد، لكن إذا إخذنا الشهر بأكمله كمؤشر فالنسبة لا تتجاوز 20%». ومن العوامل المؤثرة سلباً على الحركة بحسب بربور حتى اللحظة غياب الثلج بالكثافة اللازمة، وارتفاع أسعار المحروقات للوصول إلى المناطق البعيدة عن سطح البحر.
في الزعرور لا تختلف الصورة عن باقي المناطق، حيث يقول مدير مطعم Cabana’z Resto Bar رودي مبارك أن «الحجوزات قليلة للغاية رغم أن تسعيرة ليلة رأس السنة لدينا هي 60 دولاراً فقط مع الأكل والشرب. حتى ليلة عيد الميلاد لم «نفوّل» رغم أننا أخذنا 35 دولاراً على الشخص، مقابل عشاء وزجاجة نبيذ لشخصين. وغياب الثلج أضرّنا كثيراً في المنطقة».
«لم يمتلئ أيّ من المطاعم في فاريا» وذلك قبل يومين من حلول ليلة رأس السنة بحسب ريكي حموضه، صاحب مطعم Rikky’z الشهير في فاريا. واللافت أن المطعم ممتلئ في الليلة التي تلي رأس السنة وهو ما يعيده ريكي إلى الفرق في الكلفة «حيث أن السعر لليلة رأس السنة هو 200 دولار على الشخص، مقابل 100 دولار في اليوم التالي». ويؤكد «أننا وحتى اللحظة لم نصل لأرقام العام الماضي وأحد الأسباب هو الثلج. لكن الحركة تعتبر جداً مقبولة».
رغم ما سبق، تسجّل بعض المؤسسات أرقام حجوزات هائلة، كما هو الحال في منتجع InterContinental Mzaar في كفرذبيان، حيث تُشير معلومات «الأخبار» إلى أن الغرف في المنتجع شبه ممتلئة، وسعر الغرف يتراوح ما بين 280 دولاراً وأكثر من 400 دولار لليلة.
كذلك الأمر في مشروع Saint Michel Chalets في الأرز حيث ضغط الحجوزات كبير والاتصالات لا تنقطع حتى خلال منتصف الأسبوع، وكافة الشاليهات «مفوّلة» حتى منتصف شهر كانون الثاني. وأسعار الشاليهات تُراوح ما بين 200 دولار لشخصين لليلة مع فطور، وصولاً إلى 550 دولاراً للشاليهات الكبيرة.
الأشقر: حركة جيدة لكن غير كافية
يكشف نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر إلى أن «الحركة السياحية في الفنادق تحسّنت لكن لفترة زمنية جداً قصيرة. فنحن نعاني من ركود مستمر منذ 15 أيلول حتى 15 كانون الأول. وبالتالي بضعة أيام خلال فترة الأعياد لا تعوّض خسائر 3 أشهر، على أهمية المداخيل التي تأمّنت للبلد ولكافة القطاعات».
وعن الحركة في المناطق يلفت إلى أن «نسبة الإشغال في بيروت تناهز الـ 70 في المئة خلال الأيام التي تسبق وتلي ليلة رأس السنة. أما خارج بيروت فمناطق التزلج ستكون أكثر المناطق استفادة حيث ستصل نسبة التشغيل إلى ما يقرب من 90% تليها المناطق التي تنظم مهرجانات وحفلات عامة كما في جبيل والبترون».