تمخضت زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي عن سلسلة من الاتفاقات لإعداد دراسات جدوى تأمل طوكيو أن تشجع البلدان الرئيسية في المنطقة على أن تصبح شريكة في إنتاج الهيدروجين.
وكانت الأسواق قد توقعت إبرام صفقات للنفط والغاز الطبيعي المسال خلال الجولة التي شملت السعودية والإمارات وقطر في وقت سابق هذا الشهر، وهو ما لم يحدث في النهاية.
وبدلا من ذلك، يبدو أن جولة كيشيدا التي رافقه فيها ممثلون من 40 شركة يابانية حققت الهدف المعلن منها، وهو تعزيز التعاون في مجال الطاقة الخضراء والمتجددة.
وينظر إلى دول الخليج العربي على أنها مركز جيد لإنتاج الطاقة الخضراء بسبب انخفاض تكاليف توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية فيها، مما يضمن مستقبل أمن الطاقة في المنطقة وموقعها في القطاع كأحد المصادر الرئيسية للمشترين من حول العالم.
ويراقب المحللون توسيع دول المنطقة مظلة طموحاتها المستقبلية في الطاقة البديلة عبر إرساء قاعدة استثمارية في المشاريع المتعلقة بالهيدروجين، أملا منها في السيطرة على هذه الصناعة والتي تضعها نصب عينيها ضمن سياسة إحلال البصمة الكربونية.
وتعمل حكومات المنطقة على إطلاق العديد من المزارع الشمسية في الأعوام القادمة مع ارتفاع معدل الإشعاع الشمسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يمثل هذا المصدر نحو 15 في المئة من مزيج الطاقة في دول الخليج بحلول نهاية العقد.
ويتطلع الشرق الأوسط إلى التغلب على منافسيه الرئيسيين وهما السوقان الأوروبية والآسيوية بالسيطرة على سوق الهيدروجين الأخضر.
ولعل من أهم الاتفاقات بين طوكيو والرياض مبادرة مشتركة أطلق عليها اسم “منار” تهدف إلى تطوير مشاريع الطاقة النظيفة ذات الصلة بمجالات مثل الهيدروجين والأمونيا وإعادة تدوير الكربون.
وعلى نحو منفصل، تم توقيع ما لا يقل عن سبع اتفاقات والعديد من مذكرات التفاهم بين شركات يابانية وأخرى في الشرق الأوسط خلال الزيارة.
ويشمل هذا اتفاقا بين جيرا وأدنوك لدراسة التعاون في الهيدروجين النظيف والأمونيا، واتفاقا بين سوميتومو كورب وشركة بترول الشارقة الوطنية لإعداد دراسة جدوى مشروع لاستخلاص الكربون وتخزينه في الإمارات.
وشملت اتفاقات أخرى دراسات مشتركة لإنتاج المعادن منخفضة الكربون وخيارات مستقبلية لسلاسل التوريد.
وقال ألياكسي باتونيا الباحث الزائر في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة إنه “رغم أن مذكرات التفاهم أقل أهمية من عقود التوريد، فإن تلمس قاعدة للتعاون المستقبلي وبعث رسالة تفيد بالاهتمام طويل الأمد بواردات الهيدروجين ومشتقاته من دول الخليج أمر مهم”.
وأشار إلى أن اليابان لديها خبرة في التحليل الكهربائي للهيدروجين المستخرج من مصادر الطاقة المتجددة والتحلل بالحرارة لإنتاج الهيدروجين من الميثان.
ورهان اليابان كبير على الهيدروجين، وتعهدت باستثمار أكثر من 100 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة لزيادة المعروض بتأمين إمدادات منه في الداخل والخارج.
وتتوقع أنها ستحتاج إلى ثلاثة ملايين طن سنويا بحلول 2030، ارتفاعا من مليوني طن حاليا، كما تتوقع أن يقفز الرقم إلى 12 مليونا بحلول 2040.
وتخطط لاستخدام الوقود لخفض انبعاثات الكربون في صناعات تتراوح بين تصنيع السيارات ومحطات الطاقة التي تعتمد حاليا بشكل رئيسي على الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي المسال.
والهيدروجين مهم أيضا لإنتاج الأمونيا، والتي تريد استخدامها في مزيج الوقود لديها لإطالة عمر المحطات التي تعمل بالفحم، وهو جزء مهم من خطط اليابان للتحول إلى الطاقة النظيفة.
وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن دول الخليج تعتزم تصدير مليون طن من الهيدروجين منخفض الانبعاثات بحلول عام 2030.
وأكدت وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مذكرة للعملاء أن زيارة كيشيدا إلى الخليج تسلط الضوء على الوضع غير المستقر لأمن الطاقة في اليابان.
وقالت “ستظل اليابان معتمدة على الواردات لتلبية طلبها على الطاقة، حتى لو نجحت في التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة”.
وأشار محللون إلى أن اليابان بحاجة إلى تعزيز علاقاتها بدول الخليج إذا أرادت التنافس مع الصين، أكبر منتج ومستهلك للهيدروجين في العالم.
وقال ديفيد بولينج مدير قسم تجارة اليابان وآسيا في مجموعة أوراسيا “تضخ الصين موارد في الطاقة النظيفة أكثر من أي دولة أخرى، وتتوقع اليابان منافسة من الصين في الحصول على إمدادات خليجية في المستقبل”.
ويهدف أكبر اقتصاد عربي وأكبر منتج للنفط في العالم الآن إلى تحقيق دولار واحد للكيلوغرام، لتوفّر المملكة بذلك أرخص هيدروجين أخضر في العالم من خلال مصانع تعكف على تأسيسها وخاصة في نيوم شمال غرب البلاد.
ويلاحظ أن سوق الهيدروجين الأخضر توسعت في المنطقة منذ عام 2021، فقد تمكنت السعودية بفضل الاستثمارات الكبيرة في البحث والتطوير من خفض تكاليف إنتاجه وجعله أكثر جاذبية.
وأعلنت السعودية قبل فترة عن اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الحرة بصلالة في سلطنة عمان مع أكوا باور وشركة النفط العمانية وإير برودكتس.
كما أعلنت مسقط أنها تطمح في إنشاء اقتصاد يركز على الهيدروجين بحلول عام 2040، مع بلوغ 30 غيغاواط من الهيدروجين بنوعيه الأخضر والأزرق.
وفي عام 2021 أعلنت الإمارات عن اقتحام القطاع، فقد أعلنت الحكومة أنها تخطط لتحقيق حصة 25 في المئة من سوق الهيدروجين العالمي منخفض الكربون بحلول نهاية هذا العقد.
وتستثمر شركة مصدر الإماراتية للطاقة النظيفة مع شركة إنجي الفرنسية 5 مليارات دولار في صناعة الهيدروجين الأخضر في البلد الخليجي، بهدف بلوغ قدرة كهربائية تبلغ اثنين غيغاواط بحلول 2030.
كما أطلقت دبي أول مصنع هيدروجين أخضر في المنطقة “على نطاق صناعي” في دليل على الاهتمام الكبير من قبل المسؤولين بهذا المورد الذي سيجذب المزيد من الزبائن العالميين إلى المنطقة.