«رجا أبو عسلي هو أهم شخص بالنسبة إلى رياض سلامة. هو كاتم أسراره منذ أن كان يعمل معه في شركة «ميريل لينش»، ثم انتقل معه إلى مصرف لبنان بعد تعيينه حاكماً، ونفّذ كل الأعمال التي لا يثق سلامة بأحد غيره للقيام بها».
هذا التوصيف يُجمع عليه كل من تعامل مع مصرف لبنان، سواء من موقع الإدارة الرسمية في رئاسة الحكومة أو وزارة المالية أو أيّ إدارة أخرى، وصولاً إلى القطاع الخاص، ولا سيما المصارف وسائر المؤسسات المالية.
رجا أبو عسلي شخصية محنّكة، وهذا واضح من كلامه أمام المحققين في لبنان. فإجاباته كلّها قصيرة ومقفلة لأنها مربوطة بالقانون والموقع الوظيفي. لا يجيب خارج هذا الإطار. لا يثرثر. غير أنه، رغم كل الاحتياطات التي اتّخذها في مجال عمله نيابة عن رياض سلامة، لم يتمكن من إزالة شكوك المحققين حيال ما اعتبروه كلاماً مزيفاً. والادعاء أمام المحققين، في نيسان 2023، بأن علاقته مهنية مع «أوبتيموم»، يتحوّل إلى «كذبة» عند مقارنته بما ورد في تقرير وحدة الرقابة على الأسواق المالية في هيئة الأسواق المالية الصادر في 29 شباط 2016. يومها، وجّهت الوحدة كتاباً إلى مجلس الإدارة لإعلامها بنتائج التدقيق والمخالفات التي اكتشفتها لدى شركة «أوبتيموم». وبطبيعة عمل الوحدة، فإنها تجري تدقيقاً بمساهمي الشركة والعلاقات التي تربطها مع أطراف آخرين، تبيّن أن من بينهم رجا أبو عسلي عبر زوجته باسكال نعمة.
يقول التقرير: «خلال عملية التدقيق لنشاط التداولات في عمليات السواب، أجرينا مراجعة على العلاقات القريبة وملكية الشركات التي يظهر فيها السيد أنطوان سلامة (الرئيس التنفيذي لشركة «أوبتيموم انفست») خلافاً لما صرّح به أمامنا…». وأعدّت الوحدة جدولاً بهذه العلاقات ظهر فيه اسم رجا أبو عسلي بوصفه المدير التنفيذي لمديرية التنظيم والتطوير في مصرف لبنان، وأمين سرّ مجلس إدارة هيئة الأسواق المالية.
درجة العلاقة جرى تفصيلها في أكثر من موقع، إنما الرابط الأساسي بين «أوبتيموم» وأبو عسلي هو زوجته التي تملك أسهماً في 9 شركات مملوكة من «أوبتيموم» أو تربطها علاقة ملكية بها. هناك ملكية مشتركة بين نعمة وأنطوان سلامة وزوجته تانيا شلفون في شركة «أوبتيموم للعقارات – فقرا». تملك نعمة أيضاً حصّة في صندوق «كابريكورن هولدنغ» الذي يملك حصصاً في شركة «Eight Abu Dhabi» وشركة «Brasserie» وشركة «K.H View». ولديها حصّة مباشرة في شركة «Triat for trading»، وشركة «Tech Motors»، وشركة «3T for industry& Trade».
تقرير وحدة الرقابة المالية يظهر العلاقة الواضحة بين أبو عسلي و«أوبتيموم». والأمر لا يقتصر على تضارب المصالح بين موقع أبو عسلي الوظيفي في مصرف لبنان، وملكيات زوجته إلى جانب مساهمي «أوبتيموم»، بل لكون «أوبتيموم» كانت شركة متعاقدة حصرياً مع مصرف لبنان لتنفيذ عمليات مشبوهة وبمبالغ طائلة. والشبهة هنا لا يمكن اختصارها بالعمولات التي تقاضتها الشركة على العمليات التي نفذتها بين مصرف لبنان والمصارف، وإنما على الحسومات التي حصلت عليها لشراء وبيع أوراق مالية (سندات، شهادات إيداع، سندات يوروبوندز…). بعض العمليات، كما ورد في تقرير التدقيق الجنائي، كان يتعلق بعمليات شراء وبيع للسندات خلال دقائق مع فروقات ضخمة في الأسعار استفادت منها «أوبتيموم» وأفادت آخرين لم تتضح هوياتهم بعد.
رغم كل الشبهات التي يثيرها تقرير وحدة الرقابة المالية في 2016، إلا أنه لا يظهر الحقيقة كاملة، إذ إنه يقتصر على الرقابة المتعلقة بعمليات التداول، ولا يشمل العمليات التي تتم بين الشركة ومصرف لبنان مباشرة. للدلالة على أهمية العمليات التي لم تكن مشمولة ضمن مهمة وحدة الرقابة على الأسواق المالية في الهيئة، يظهر في التقرير الجنائي ما هو لافت جداً. ففي الصفحة 100 وما يليها، يرد أن مصرف لبنان باع لشركة «أوبتيموم انفست» سندات خزينة بقيمة اسمية تبلغ 49 مليار ليرة، وأنه قام «فوراً» بإعادة شراء السندات نفسها مع علاوة عليها بقيمة 35.4 مليار ليرة، أي أن العلاوة كانت تساوي أكثر من 72% من القيمة الاسمية للسندات. وهذا الأمر تكرّر بطرق مختلفة، إذ إن مصرف لبنان اشترى سندات من طرف ثالث بقيمة 228 مليار ليرة، ثم باع 55.6 ملياراً منها لشركة «أوبتيموم انفست»، وعلى الفور اشتراها منها مع علاوة بقيمة 18.7 مليار ليرة.
هذه مجرّد أمثلة على عمليات يقرّ أبو عسلي بأنها تبلغ 65 مليار دولار بعمولات بلغت قيمتها 185 مليون دولار. لكن في جيوب من حطّت هذه العلاوات؟