الفساد الذي لم يتوقّف إلى الآن (لا بل زاد ويزداد يوما بعد يوم!) على الرغم من كل ما حصل ويحصل من إنهيارات، كان ولا يزال سببًا رئيسيًا في خروج الدولارات من لبنان وفي الحصار الاقتصادي والمالي الذي يُخيّم على لبنان. التهريب والإحتكار أدّيا إلى خسائر في إحتياطات مصرف لبنان (6.2 مليار دولار أميركي في عام واحد) وبالتالي ومع وصول الإحتياطات إلى مستوى الإحتياطي الإلزامي، أصبح الإستمرار في الدعم أمرًا مُستحيلاً إلا إذا ما تمّ إستخدام دولارات المودعين.
الإجراءات الحكومية – أي منع التهريب والإحتكار ومكافحة السوق السوداء – غائبة بالكامل وكأن السلطة متواطئة (!) وإلا لماذا لا يتمّ منع تهريب مئات الصهاريج التي يتمّ تهريبيها يوميًا وأطنان الأدوية والمُستلزمات الطبّية التي يحتكرها حفنة من الخدم السلطوي؟
عمليا الدعّم إنتهى والمرحلة الحالية هي مرحلة إنتقالية حيث سيتمّ وقف الدعم تدريجيًا في فترة لا تتعدّى الشهرين كأقصى حدّ. وبالتالي وخلال هذه المرحلة يتوجّب على أجهزة الدولة أن تكون مُستنفرة وجاهزة لمكافحة الإحتكار والتلاعب بالأسعار. الفقر سيرتفع وإذا لم يقم المجتمع الدولي بمبادرة إنسانية من خلال مُساعدات غذائية ومواد أولية، فإن الفقر سيتخطّى الـ 90 في المئة في الأشهر القادمة.
سعر صفيحة البنزين هو مؤشر أساسي في السياسات الاقتصادية بحكم أنه يدخل في صناعة، تغليف أو نقل 95% من السلع والمواد والخدمات التي نستهلكها. وبالتالي، يأتي ارتفاع سعر صفيحة البنزين ليزيد من التضخّم وهو ما يُعرف بالتضخمّ المُتغلغل وإذا كان ناتجًا عن ارتفاع أسعار النفط العالمية، فيُسمّى عندها بالتضخّم المُستورد.
مصرف لبنان العاجز عن تأمين الدولارات لشراء البنزين والمحروقات عامة بسبب تهريب أكثر من 60% منها إلى الخارج، إقترح آلية لرفع الدعم تنصّ على التمويل على سعر الـ 3900 ليرة لفترة مُعينة لا تزيد عن شهرين قبل رفع الدعم بالكامل وذلك تفاديًا لإرتفاع فجائي بسعر الصفيحة. هذا الأمر يعني أنه في المرحلة الأولى سيرتفع سعر الصفيحة إلى حدود الـ 70 ألف ليرة لبنانية قبل أن تقفز إلى أكثر من 200 ألف ليرة لبنانية (على سعر السوق السوداء الحالي) حين يتمّ رفع الدعم بالكامل.
بالطبع هذا الأمر سيجعل الذهاب إلى العمل يوميًا أمرًا غير مُمكن نظرًا إلى كلفة النقل إذ ستُصبح بحدود الـ 800 ألف ليرة لبنانية لأربع صفائح بنزين في حين أن الحد الأدنى للأجور هو 675 ألف ليرة لبنانية! لكن الأخطر في الموضوع هو أن التجار الذين يرفضون الشيكات المصرفية والبطاقات المصرفية ويفرضون العملة النقدية، سيدفعون المصرف المركزي إلى طبع العملة لتلبية الطلب الكبير على الكاش وهو ما سيرفع التضخّم إلى مستويات نعتقد أنه لن يكون هناك إمكانية بعدها للسيطرة على الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. من هذا المُنطلق، نرى أنه من الضروري أن تفرض الحكومة على التجار قبول وسائل الدفع الأخرى تفاديًا لطبع العملة والذي سيجعل الحفرة أعمق والخروج منها سيكون صعبا جدًا.