على الرغم من أن منقوشة الزعتر باتت مدرجة على لائحة التراث غير المادي البشري، التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، إلا أن ترف الحصول عليها بشكل يومي، لم يعد ضمن إمكانية الكثير من اللبنانيين.
لم تتمكن منى الناصر من الاستمتاع بتناول “المنقوشة” الصباحية بشكل يومي، كما اعتادت منذ سنوات. حسب الناصر، شراء المناقيش يتطلب تخصيص جزء لا بأس به من راتبها المتواضع. تعمل الناصر في إحدى الشركات الخاصة بالتنظيفات، تتقاضى نحو 8 ملايين و900 ألف ليرة، ونحو 150 دولاراً، أي ما يعادل 250 دولاراً تقريباً. تقول لـ”المدن”:” يتطلب شراء منقوشة الزعتر تخصيص ما يقارب من ثلاثة ملايين ليرة، أي نحو 33 دولاراً شهرياً، وهو رقم كبير بالنسبة لها، مقارنة بقيمة الراتب.
تأسف الناصر، لما وصلت إليه أسعار الأطعمة الشعبية، التي كانت ملاذاً آمناً للفقراء في لبنان. مبدية استغرابها من ارتفاع الأسعار غير المبرر وفق تعبيرها.
المنقوشة بالدولار..
كانت “منقوشة الزعتر” تباع قبل العام 2019 ما بين 500 و750 ليرة أي ما يقارب من 30 سنتاً إلى نصف دولار، فيما بلغ متوسط سعر المنقوشة اليوم، ما بين 90 سنتاً ودولار ونصف الدولار تقريباً. وقد تصل إلى دولارين في بعض الأفران مثل منقوشة الزعتر مع الخضار. وبالتالي، ارتفع سعر المنقوشة بالدولار أكثر من أربعة أضعاف عما كانت عليه سابقاً. أما فيما يخص مناقيش الجبنة، فالأسعار قفزت بدورها من 75 سنتاً إلى أكثر من دولارين، و تناهز ثلاثة دولارات في بعض الأفران الكبيرة. وهو ما يطرح بقوة علامات استفهام حول الأسباب التي دفعت أسعار المناقيش للقفز بالعملة الأجنبية، على الرغم من أن مكونات المناقيش بسيطة جداً، وتكلفة الإنتاج لم تشهد هذا الارتفاع الصاروخي.
قبل الأزمة في العام 2019، لم يكن طحن طن القمح يتخطى 390 ألف ليرة أي نحو 260 دولاراً. أما اليوم، فالسعر عالمياً يصل إلى ما يقارب 400 دولار، أي أن الارتفاع لم يتخط 30 في المئة. وحتى مع احتساب سعر الزعتر، أو تكاليف الوقود، فإن السعر لا يفترض أن يصل إلى هذا المعدل.
المأكولات الشعبية
لم تكن أسعار المناقيش الاستثناء في قائمة المأكولات الشعبية. تبدل سعر صحن “الفول” أو “المسبحة“، وارتفع لأكثر من 7 دولارات. قبل العام 2019، لم يكن صحن الفول أو “المسبحة” يتخطى حاجز 5000 ليرة، أي نحو 3 دولارات تقريباً، شاملاً الخضار. بدأ السعر يتبدل تدريجياً، حتى وصل إلى ما يقارب من 480 ألف ليرة أي نحو 5.3 دولارات، ما يعني أن السعر قفز ضعف ما كان عليه.
يتحسر عبد القادر العرب (50 عاماً) لما آلت إليه الأوضاع. يقول لـ “المدن”: “المفارقة العجيبة ليس في ارتفاع سعر هذه المأكولات، بل عدم تناسبها مع ما يتقاضاه اللبناني”. يعمل العرب كمحاسب في إحدى الشركات، ويتقاضى نحو 400 دولار تقريباً، و10 ملايين ليرة. بالنسبة إليه، انخفضت قيمة راتبه مقارنة بالعام 2019. إذ كان يتقاضى نحو مليون و100 ألف ليرة، أي ما يوازي حينها، 700 دولار، وبالنسبة له، فإن تخصيص 3 دولارات لتناول وجبة الإفطار يومياً، لم يكن عائقاً، إذ أن خصم 72 دولاراً ثمن وجبة الإفطار خلال شهر من أصل 700 دولار، لا تشكل أكثر من 10 في المائة من قيمة الراتب، فيما اليوم، تناول الوجبة بسعر 5 دولارات، يعني أن 120 دولاراً من أصل 400 دولار، توازي 30 في المئة من قيمة راتبه. وهو رقم يشكل تحدياً بالنسبة إليه.
وداعاً للفلافل والشاورما
بدأ بلال شعيتو حديثه لـ”المدن” بوداع الشاورما والفلافل. إذ لم يتمكن من شراء هذه المأكولات منذ أكثر من عام. يعمل شعيتو في مجال بيع الألبسة، ورغم ذلك، فهو لا يمتلك راتباً محدداً، يستطيع من خلاله تدبّر شؤونه الخاصة. ولذا، استبعد بشكل كلي شراء المأكولات الجاهزة. يقول “قد يمر أكثر من شهر، ولا أتمكن من بيع أي قطعة ثياب، ومع تدهور الأوضاع كان لا بد من الاستغناء عن المصاريف غير الضرورية، ومن ضمنها شراء الأطعمة الجاهزة”.
وصل سعر سندويش الفلافل إلى نحو 180 ألف ليرة، أي دولارين تقريباً، فيما لم يكن سعر السندويش يتخطى دولاراً في السابق. أما بالنسبة إلى الشاورما، فالأسعار تتراوح ما بين 330 ألفاً وتصل إلى 450 ألفاً (شاورما دجاج). أما شاورما اللحم فسعرها يبدأ بـ400 ألف ليرة وقد تصل إلى 600 ألف ليرة، أي ما بين 4 دولارات وصولاً إلى 7 دولارات تقريباً. يذكر شعيتو أنه في العام 2015، افتتح أحد المطاعم الشهيرة في لبنان فروعاً جديداً، وفرض تسعيرة مرتفعة حينها لسندويش الشاورما، والتي وصلت إلى نحو 3 دولارات، فأصبح حديث الكثير من الشباب المستهجنين حينها. فيما اليوم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية، تخطى سعر الشاورما 6 دولارات، أي ضعف ما كانت عليه سابقاً.
ويسأل شعيتو عن الأسباب الجوهرية لهذا الارتفاع. يقول “صحيح قد ترتفع الأسعار بسبب التضخم، لكن قفزها أضعاف ما كانت عليه، وبالعملة الأجنبية، يعتبر إجراماً بحق اللبنانيين”.
لا منطق اقتصادياً لهكذا أسعار، ولا مبرر يقنع أحداً سوى الجشع الذي غالباً ما يدمر الاقتصاد نفسه.