ثلاثة أعوام مرّت على اندلاع الازمة، و»نِصال» التحول إلى اقتصاد مُنتج «تتكسر على نصال» العجز الرسمي عن توفير أبسط مقومات الانتاج. الدولة التي نظّرت كثيراً بـ»تطيير» الصناعة والزراعة، وتكبير حصتهما من الناتج المحلي الاجمالي، «قصّت» على أرض الواقع أجنحتهما. فأفشلت من جهة تطبيق خطة موضوعية تكفل إعادة جزء من الودائع المحتجزة، وتؤمن الحد الادنى من الكهرباء والبنى التحتية، وعجزت من جهة ثانية عن فتح أسواق تصريف خارجية. وهكذا علقت القطاعات التي تخوض المنظومة باسمها أعتى حروبها بين حدّي «مقص» الفشل المتعمّد والجهل المطبق.
غني عن القول أن تأمين النمو المستدام للقطاعات الانتاجية، يفترض توفّر أسواق التصريف الخارجية. ذلك أن «التصدير حياة الصناعة». و»ليس هناك أفضل من المشاركة في المعارض العالمية لابراز وجه لبنان الآخر المتمثل بالابداع، وتعريف الخارج على أفضل المنتجات المحلية التي تتميز بالجودة العالية والقدرة التنافسية»، بحسب رئيس جمعية التجارة العادلة في لبنان – «Fair Trade Lebanon»، سمير عبد الملك. ومن هنا أتت فكرة «الجمعية» المتوافقة مع أهدافها التنموية، بتمويل ودعم مشاركة الصناعات الغذائية اللبنانية في معرض الغذاء الدولي SIAL Paris بين 15 و19 الجاري. خصوصاً أن المعرض يعد الاكبر على الصعيد العالمي. و»قد ساهمت الجمعية بـ»اضاءة «شمعة» تؤمن مشاركة 19 عارضاً لبنانياً، وتوفر لهم فرصة عقد لقاءات العمل وابرام الصفقات مع الاسواق والمطابخ العالمية، بدلاً من «لعن» ظلام تراجع الاعمال».
تصدير المنتجات لا الشباب
مبادرة جمعية التجارة العادلة بالتعاون مع جمعية الصناعيين، ومؤسسة رينيه معوض، و»المعهد العالي للأعمال» تعتبر التطبيق الفعلي للشعار الذي رفعته «الجمعية» منذ العام 2006 تاريخ تأسيسها في لبنان، وهو: «التوسع بتصدير الانتاج ووقف نزيف تصدير الشباب». ولا مجال لتوسيع حصة هذه الصناعات المميزة من التجارة الخارجية ورفد البلد بالنقد الصعب إلا من خلال مثل هذه الفعاليات. فـ»من حضر السوق باع واشترى»، على حد قول عبد الملك. وأهمية سوق SIAL الذي ينظم كل عامين مرة، أنه يأتي هذا العام بعد غياب دام 4 سنوات. إذ غاب المعرض عن الإلتئام في دورة العام 2020 بسبب تداعيات الجائحة. وهو الامر الذي سيوفر هذا لعام حضوراً كبيراً يقدر بـ 300 ألف شخص، وتغطية إعلامية، ومشاركة أكثر من 100 دولة تمثل بنحو 7200 عارض. ما سيوفر فرصة ثمينة وممتازة للصناعات المحلية لتأمين عرض منتجاتها الغذائية على رفوف المحلات الاجنبية، وفي مطابخ الفنادق والمطاعم الاجنبية.
تعزيز التجارة الخارجية
إذا في الوقت الذي تعجز فيه البعثات الاقتصادية الخارجية عن تسويق المنتجات اللبنانية في الخارج، ولا تتمكن المؤسسات المحلية وفي مقدّمها «إيدال – المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان» من القيام بالدور المطلوب منها باقامة المعارض وتأمين المشاركة المحلية عبر تشجيعها وتمويلها ودعمها، اضطلعت جميعة التجارة العادلة بالمهمة. حيث وفّر برنامج BIEEL الذي تنفذه الجمعية لدعم الصادرات الغذائية اللبنانية والممول من «مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية» US MEPI من تخصيص ودعم الجناح اللبناني في معرض SIAL، وذلك بعد استشارة جمعية الصناعيين وأخذ رأيها في أفضل الطرق للمساعدة. فمولت الجمعية جزءاً من المعرض اللبناني. وهو الامر الذي لن يعود على الصناعة المحلية بالفائدة فحسب، إنما أيضاً سيساعد على التوسع، وبالتالي خلق فرص العمل وتخفيف العجز في الميزان التجاري. حيث من المتوقع أن ترتفع حصة الصناعات الغذائية من التجارة الخارجية هذا العام إلى حدود 1 مليار دولار بعدما كانت في العام 2019 تقدر بـ 600 مليون دولار.
أهمية المعارض
يعود تاريخ المشاركة اللبنانية في معرض SIAL إلى العام 1978، عندما كان الصناعي جورج نصراوي صاحب منتجات «الربيع»، يشارك فيه، ويمثل لبنان منفرداً. ومن بعد إضاءته على أهمية مثل هذه المعارض وتشجيع زملائه وحثهم على المشاركة، ولا سيما عند تبوئه رئاسة «نقابة أصحاب الصناعات الغذائية»، توسعت المشاركة عاماً بعد آخر. وقد وصلت اليوم إلى 19 عارضاً يمثلون مختلف الصناعات الغذائية من مختلف أنواع المعلبات والكونسرفا والحلاوة والطحينة والبهارات والمخللات وغيرها الكثير من المنتجات. وبحسب نصراوي فان «هذا المعرض يعتبر الاهم على الصعيد العالمي بالنسبة لمصنعي الغذاء. وذلك إلى جانب كل من معارض: «ألوغا» في المانيا، و»فانسي فود شو»، في نيويورك و»الغولف فود»، في دبي. أهمية هذه المعارض بالنسبة للصناعي اللبناني أنها تزيد من صادارتهم إلى الخارج. ذلك ان غالبية زوار المعرض هم من المحترفين باستيراد المواد الغذائية في العالم». وللدلالة على أهمية المشاركة في مثل هذه المعارض يقول نصراوي أن «85 في المئة من انتاج مصانع تذهب إلى التصدير الخارجي بناء على العلاقات التي أقامها بمشاركته في هذه المعارض. والكثيرون من الزملاء الصناعيين المشاركين استطاعوا أن يوسعوا أعمالهم ويزيدوا حجم صادراتهم من جراء مشاركتهم في هذه المعارض.
بالاضافة إلى التعريف على المنتجات اللبنانية التي توفرها فرصة المشاركة في هذه المعارض، فان هذه العملية تساهم بادخال العملة الصعبة التي نحن بأمس الحاجة اليها. وعلى قدر ما تزداد الصادرات على قدر ما تتوسع الاستثمارات داخلياً وتتوسع الاعمال وتزداد القدرة على خلق فرص عمل للشباب. ولعل الاهم برأي نصراوي هو «الارتباط الوثيق بين الصناعات الغذائية والزراعة. فكلما توسعت الصناعات الغذائية كلما زادت قدرتها على استيعاب المزروعات المحلية من خضار وفواكه وحبوب. وبالتالي تشغيل ودعم القطاع الزارعي».
أسبوع الصناعات الغذائية اللبنانية في معرض SIAL الباريسي يتوقع أن يكون علامة فارقة هذا العام بتحويل شعارات الامن الغذائي وزيادة الطاقات الانتاجية إلى واقع. ومما سيساعد أكثر هو توفير المنظمين اتفاقاً مع غرفة التجارة في باريس لعقد الصناعيين اللبنانيين الاتفاقيات التجارية «B2B»، وتوفير اللقاءات مع التجار وشركات التوزيع التي يهمها أخذ الوكالات اللبنانية بالاضافة إلى توفير لقاءات مع كبار الطهاة الاجانب Chef étoilé.