الصناعيون: وعدونا ثم خلفوا بالوعد إرضاء للتجار

عندما تم الإعلان عن موازنة 2022 وما تضمنته من محفّزات للصناعة المحلية، أعربت جمعية الصناعيين عن ارتياحها لبنودها الداعمة للإنتاج المحلّي. وأبرز البنود التي تمّ التوافق على أن تتضمنها وقتها فرض رسم جمركي بنسبة 10 في المئة على السلع والبضائع التي يتم استيرادها ويصنع مثيل لها في لبنان وعلى السلع والبضائع المصنفة فاخرة.

رفع الحسم الضريبي على الدخل الوطني الضريبة المتوجبة على الأرباح الناجمة عن التصدير الى ما يعادل 100 في المئة، اعفاء نفقات الأبحاث والتطوير من ضريبة الدخل حتى نسبة 5 في المئة من مجمل النفقات على الإنتاج الصناعي، وإعفاء من الضريبة يشمل المواد الأولية ونصف المصنعة لزوم الصناعة المحلية، المعدات الصناعية اللازمة للانتاج الصناعي.

وكذلك «السماح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة باستخدام العمالة اللبنانية بنسبة لا تقل عن 60 في المئة من دون تحديد عدد العمال اللبنانيين بـ50 عاملاً».

أما حينما بدئ العمل بالموازنة في 15 تشرين الثاني بعد صدور مراسيمها التطبيقية، تبدّلت المعادلة ولم تتضمن كل البنود التي تمّ التوافق عليها. عندها غيّرت جمعية الصناعيين رأيها ولم تعد راضية معتبرة أنه لم يتمّ الأخذ بكل النقاط الموعودة.

ولا ينفي نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن الموازنة تتضمّن بنوداً داعمة للصناعة إلا أنها غير كافية. وبرأي الصناعيين إن البنود المطلوبة لإيجاد حوافز لتشجيع التصدير هي:

– رفع حسم الضريبة المتوجّبة على الأرباح الناجمة عن التصدير من 50 الى 100%.

– فرض ضريبة بنسبة 10% على المستوردات التي تصنّع في لبنان و3% على الإستيراد ما عدا المواد الأوّلية والماكينات.

– إعفاء نفقات الأبحاث والتطوير من ضريبة الدخل حتى نسبة 5% من مجمل النفقات.

– إقرار تعديل المادة 17 من القانون رقم 379 (ضريبة على القيمة المضافة) بحيث تعفى المواد الأوّلية ونصف المصنّعة لزوم الصناعة والمعدات الصناعية.

البنود التي لم تدرج في الموازنة

إذاً، إنطلاقاً من البنود المذكورة، إن لوائح السلع المستوردة والتي لديها مثيل في لبنان وتكفي حاجة السوق كما جاء في المادة 74 من الموازنة والتي سيفرض عليها رسم جمركي بنسبة 10%، لم تصدر بعد. وهي محطّ تجاذبات وخلافات في الرأي بين وزارتي الإقتصاد والصناعة. فالأولى لا تريد فرض رسم 10% على سلع مستوردة سعرها أقلّ من المصنعة محلياً، أما الصناعة فتريد دعم الإنتاج المحلّي وتحفيزه بعد أن أثبتت الصناعة المحلّية «قوّتها» منذ بدء الأزمة الإقتصادية مروراً بجائحة كورونا، وقدرتها على تلبية حاجة السوق المحلّية فحوّلت الإقتصاد من ريعي الى منتج. وبات خيار المستهلك المنتج اللبناني باعتباره أقلّ سعراً من المستورد الذي يتأثر بسعر صرف الدولار في السوق الموازية وبكلفة الشحن التي ارتفعت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

كما تمّ اقتصار الحسم الضريبي على الدخل الوطني من الضريبة المتوجبة على الأرباح الناجمة عن التصدير الى 50% بدلاً من رفعها الى 100%.

وحول لائحة السلع التي سيفرض عليها رسم الـ10%، قال بكداش إن «الضغط الذي مارسته وزارة الإقتصاد والتجّار بطّأ أو قد يوقف هذه الخطوة. فالأمر اليوم بيد رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي طلب من وزير الصناعة عندما سلّمه اللائحة، ان تتم دراستها بدقّة أكثر للتاكّد من أن الصنف الذي ستفرض عليه نسبة 10% يمكن توفيره من قبل الصناعي اللبناني وتغطية حاجة السوق بأكملها».

وذكّر بكداش أن «جمعية الصناعيين ووزارة الصناعة متوافقتان على أن اي منتج يغطّي احتياجات السوق تفرض عليه نسبة 10% على المستورد المثيل له. فاذا منتج معين يتم تصنيعه في مصنع واحد أو مصنعين ولن يستطيع تغطية السوق المحلية بأكملها لن يتفرض نسبة 10% على السلع المستوردة الشبيهة له».

وحول موقف وزير الإقتصاد المعارض للصناعيين إزاء لائحة الـ10%، قال بكداش، «إن وزير الإقتصاد يحاول الغاءها إرضاءً للتجار، ولكن في كل دول العالم التي يكون اقتصادها مزرياً على غرار الوضع الذي نحن عليه، يفرضون نسبة معينة من الرسوم على البضائع المستوردة، وخصوصاً تلك التي تستورد من دول تدعم صناعتها».

شروط حماية الصناعة

ويرى بكداش أن حماية الصناعة الوطنية تتطلّب:

– إعفاء الضريبة على كل المواد الأوّلية (الأمر المعتمد في لبنان) والوسطية للصناعة. لافتاً الى أن نسبة تتراوح بين 15 و 20% من المواد الأوّلية الوسطية تتراوح الضريبة عليها بين 5 و 10%، مع العلم بأن وزير الصناعة بصدد تقديم اللّوائح الى المجلس الأعلى للجمارك بهدف إعفائها كلّياً.

والمواد الأولية الوسطية يعني بها المكمّلة للمنتج، ومثال على ذلك: إن صناعة دفتر مثلاً تتطلب ورقاً معفى من الضرائب ولكن الشريط المستخدم لربط الدفتر غير معفي وهو ما يشكّل المادة المكمّلة لإنجاز المنتج ويصبح دفتراً.

– وقف التهريب في المرافق الشرعية قبل غير الشرعية منها، لأن الضرائب تشجّع على التهريب كما حصل في الصين.

– إعفاء الضرائب على السيارات الجديدة والمستعملة (نسبة الى عمرها) التي يقلّ ثمنها عن 15 ألف دولار بسبب عدم وجود خطّة مواصلات».

ألـTVA والتهريب

وحول الضريبة على القيمة المضافة على المواد الأوّلية الصناعية التي سيبدأ العمل بها في شباط، قال بكداش إنها «ليست بالمعضلة الكبيرة اذ يمكن استردادها، انما المشكلة الأكبر هي في استفحال عمليات التهريب حتى من المرافق الشرعية ولا حلّ لذلك، حيث يكبر الإقتصاد الموازي على ظهر الإقتصاد الشرعي.

وفي موضوع التهريب، أشار الى أننا نستورد على سبيل المثال من الصين بضائع بقيمة مليار دولار دفترياً، فيما القيمة الفعلية هي 2 مليار دولار. ما يعني أن هناك نحو نسبة 50% من الفواتير غير صحيحة ففاتورة الـ100 ألف دولار تكلّف التاجر فعلياً 50 ألف دولار، وهنا يبرز التهرّب الضريبي والتهريب في المرافق الشرعية (على عكس غير الشرعية التي وضعها سياسي امني بامتياز) حيث يتمّ من خلالها إدخال بضائع بفواتير مخفّضة أو تسليمها الى شركات وهمية لإخراجها «بتراب المصاري».

حول الدولار الجمركي

وحول الدولار الجمركي خلص بكداش الى أننا كصناعيين مع الدولار الجمركي ولكن ضمن شروط:

أولاً، تشكيل شبكة أمان اجتماعية على غرار سائر الدول لتأمين الكهرباء التي لن تؤمّن لتحقيق الإفادة من المولدات الخاصة.

ثانياً، توفير المواصلات للمواطنين، التي لن يقدموا على تنفيذ تلك الخطة لإبقاء المنفعة للفانات.

ثالثاً، تشكيل خليّة ازمة أو لجنة طوارئ إقتصادية منذ بدء تراجع الوضع الإقتصادي، ويعتبر ذلك تدبيراً تلقائياً لدى أي دولة، وتتألف اللجنة من ممثلين عن الحكومة والهيئات الإقتصادية واقتصاديين لحلّ المشاكل». معتبراً أنه «لا يجوز تمرير الدولار الجمركي اليوم وغداً سعر الصرف الرسمي…وانما يجب السير بمشروع إقتصادي كامل متكامل».

لا تحفيز لافتاً في الضرائب

من جهته اعتبر رئيس نقابة اصحاب الصناعات الغذائية منير البساط خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن الضرائب الموجودة في الموازنة لم تحفّز الصناعة الوطنية بشكل لافت إلا بموضوع إضافة رسم الـ 10% على المستوردات التي لها مثيل في الصناعة الوطنية وتكفي حاجة السوق».

مشيراً الى أنه تم اعفاء نسبة 50% من ارباح الصادرات من ضريبة الدخل بعدما كان اطلقت الوعود على احتسابها بنسبة 100% من ارباح الصادرات، علماً انه تم فرض شروط صعب تنفيذها». لافتاً الى أن» لجنة الصناعيين ستعقد اجتماعاً الأسبوع المقبل للبحث في إنعكاس كل بند ضريبي على الصناعة وانعكاسه على الإنتاج المحلي.

وأكّد أن الضريبة على القيمة المضافة التي سترتفع بدورها 10 أضعاف على الإستيراد مع بدء العمل بسعر الصرف الرسمي الجديد البالغ 15 ألفاً سيكون لها تأثير على الأسعار. ولكن لغاية اليوم لا تزال الـTVA تحتسب على اساس سعر الصرف الرسمي ولن يكون لها انعكاس اليوم في موضوع الدولار الجمركي.

اذاّ بين الصناعيين والإقتصاد وبين فرض 10% على سلع مستوردة والغائها، وبين الـTVA والدولار الجمركي واستفحال التهريب والتهرّب الضرائبي والجمركي، يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف وهو من يضرس جرّاء الأعباء المالية والضربات التي تنهال عليه، معوّلاً على الهجرة وعلى استجداء الدولارات من تحويلات أبنائه من الخارج.

خاطر: الضرائب في اقتصاد نموه سالب تبقى «دفترية»

اعتبر الباحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديّة البروفسور مارون خاطر ان «فرض ضرائب ورسوم جديدة في الوقت الذي يسجّل فيه الآقتصاد نمواً سالباً يمنع تحويل هذه الضرائب والرسوم الى إيرادات حقيقيَّة ويُبقيها «دفتريَّة» وغير حقيقيَّة. إلا أن الوضع يُصبح أكثر تعقيداً وظلماً إذا كان الإقتصاد المُنهار هو لدولة أو لشبه دولة منافذها البريَّة والبحريَّة والجويَّة مفتوحة على التهريب، وتفتقد لسيادة سلطة القانون ولسير العدالة لألف سبب كما هي حال لبنان اليوم».

وقال لـ»نداء الوطن»، «عملياً، يُترجم التخبط الناتج عن فوضى زيادة الأسعار قبل وبعد دخول بنود الموازنة حيّز التنفيذ في الوقت الذي تعجز فيه الدولة عن المراقبة والمعاقبة.

إلا أن الأخطر يكمن للأسف في كون الدولة أحد أسباب الفوضى الحاصلة إذ لم تصدر حتى الساعة جميع جداول الإعفاءات ولم تتضح فذلكات الضرائب على المداخيل».

ولفت الى أنه «في زمن التفلت والتخبط، يُخشى أن يؤدي الانعدام المُزمن للثقة بالدولة من جهة وصعوبة الأوضاع الإقتصاديَّة من جهة أخرى الى إزدهار التهريب والى مزيد من الإقبال على المُهَرَّب، فتُجمع الثروات على حساب اللبنانيين ودولتهم في آن معاً».

مشيراً الى أنه «قد يُفضِّل اللبنانيون الملتزمون بواجباتهم اليوم التهرّب على دفع المزيد من الضرائب لدولتهم الفاشلة».

وشدّد على أن «فرض ضرائب جديدة يساهم في تعزيز الاستنسابية والتمييز بين أبناء البلد الواحد لا بل يؤدي الى فقدان العدالة الاجتماعية والمساواة الذي يضمنه الدستور. فالضرائب الجديدة تُجبى ممن كان يدفعها أصلاً ولا تطال من لا قيود له ولا حدود».

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةصناعة الآلات والمعدات في لبنان… قطاع صامد واعد
المقالة القادمةبوشكيان: لبنان يخوض غمار تصنيع الويسكي وفق مواصفات الجودة